[السائلة إلهام من مدينة الأحساء تسأل وتقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) وأنا أحب المداومة على الأعمال الصالحات كصيام النوافل وقيام الليل وصلاة الضحى ولكن صلاة الضحى لا أصلىها إلا يوم الخميس والجمعة وبقية الأيام أكون في المدرسة فكيف العمل بهذا الحديث جزاكم الله خيرا؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي أشارت إليه السائلة هو طرف من حديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أنه (نهى أصحابه عن الكلفة في الأعمال إلا ما يطيقه العبد وقال: إن أحب العمل إلى الله أدومه) ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يكلف نفسه من الأعمال ما لا يطيق ولو في المستقبل بل يأتي بالأعمال الصالحة التي يقدر عليها بسهولة ولا سيما أنه يراعي حال كبره وحال مرضه وما أشبه ذلك وانظر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حيث (قال: لأقومن الليل كله ولأصومن الدهر كله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعاه وسأله أقلت هذا قال نعم قال إنك لا تطيق ذلك وأمره أن يصوم ويفطر وأن يقوم وينام ونازله في الصوم حتى وصل إلى أن يصوم يوماً ويفطر يوماً قال إني أطيق أفضل من ذلك يقوله عبد الله بن عمرو بن العاص قال لا أفضل من ذلك ذاك صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وقال له في القيام إن داود عليه الصلاة والسلام كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) لكن لما كبر عبد الله بن عمرو بن العاص شق عليه أن يصوم يوماً ويفطر يوماً وقال ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم صار يصوم خمسة عشر يوماً سرداً ويفطر خمسة عشر يوما سرداً فالمهم أن الإنسان لا ينبغي أن يعتبر نفسه بنشاطه وقوته بل يتقيد بالشريعة وبما يعلم أنه يدركه عند الكبر وأما المرض فإن المرض إذا قصر الإنسان بالعمل فيه وكان من عادته أن يعمل العمل الصالح في صحته فليبشر أنه يكتب له ما كان يعمل في حال الصحة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) ومن العجب أن بعض أهل الكسل قال إذا كان الأمر كذلك أنه إذا سافر العبد كتب له ما كان يعمل مقيماً فإنني لن أصلى تطوعاً لأنه يكتب لي ما كنت أعمله حال الإقامة وهذا غلط عظيم ولم يرد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك أن يدع المسافر التطوع والنوافل بدليل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى سنة الفجر وكان يصلى الوتر وكان يصلى الضحى وهو مسافر ولم يقل إنني مسافر ويكتب لي ما كنت أعمل في حال الإقامة ولو أننا أخذنا بعموم هذا الحديث (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) لقلنا أيضاً لا تصل الفرائض لأنه يكتب لك ما كنت تعمل في حال الإقامة لكن هذا الذي ذكرته من تسرع بعض الناس في فهم نصوص الكتاب والسنة وهذا خطر عظيم جداً وهو يقع أعني الفهم المخطيء يقع من كثير من المبتدئين في طلب العلم فيجب عليهم الحذر من التسرع ويجب على غيرهم الحذر مما شذوا به حتى يعرضه على من هو أكبر منه علماً ودراية وإنما معنى الحديث من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً أن الإنسان إذا شغله المرض أو شغله السفر عما كان يعمله من الأعمال الصالحة في حال إقامته وحال صحته فإنه يكتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً لأنه تركه لعذر الانشغال بالسفر أو بالمرض ولم يرد النبي عليه الصلاة والسلام أن يدع المريض أو المسافر ما كان قادراً عليه من الأعمال الصالحة اتكالاً على ما كان يعمله في حال الصحة وحال الإقامة.