[ما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأجلساه، وسألاه عن ثلاثة أشياء: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة- جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم- فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المنافق فإنه يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. ثم يبقى المؤمن منعماً في قبره، والمنافق معذباً في قبره. والعذاب يكون في الأصل على الروح، ولهذا يحس بالعذاب ولو تمزق بدنه وأكلته السباع، وربما تتصل الروح بالبدن ويكون العذاب على الروح والبدن جميعاً. ومسائل الآخرة كلها أمور غيب لا نطلع على شيء منها إلا عن طريق الوحي، ولهذا لا ينبغي لنا أن نتعمق في السؤال عنها؛ لأننا سنصل إلى باب مسدود، ولن نصل إلى شيء من التفاصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة. وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال:(إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير) . يعني: أنهما لا يعذبان في أمر شاق عليهما، بل هو أمر سهل. (أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) . يعني: بنقل الكلام كلام الناس بعضهم ببعض؛ ليفسد بينهم ويفرق بينهم. فأمر بجريدة رطبة فشقها نصفين، فجعل على كل قبر واحدة، فقالوا: لِمَ صنعت هذا يا رسول؟ الله قال:(لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . ففي هذا دليل واضح على ثبوت عذاب القبر، وأنه قد ينقطع وقد يخفف. أخذ بعض أهل العلم رحمهم الله من هذا أنه ينبغي أن يوضع على القبر جريدة رطبة، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذين القبرين، لكن هذا مأخذ ضعيف جدّاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يضع الجريدتين أو الجريدة الواحدة في كل من قُبر، لكن وَضَعها على هذين القبرين اللذين يعذبان، فوضع شيء من هذا على القبر يبرهن على إساءة الظن بصاحب القبر، وأنه الآن يعذب. وثُم هو بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئاً لسبب فإنه لا يقتضي أن يكون عامّاً في كل شيء، بل فيما ثبت في هذا السبب. ثم هذا السبب ليس أمراً معلوماً، بحيث نعلم أن هذا الرجل يعذب في قبره فنضع له الجريدة، بل هو مجهول، وهو عذاب القبر، فلهذا ينهى أن يوضع على القبر شيء من الزهور أو شيء من الأغصان أو شيء من الجريد؛ لأن ذلك كله من البدع، ومتى قصد به التخفيف من العذاب عن هذا القبر صار إساءة ظن بصاحبه.