[يقول يا فضيلة الشيخ في هذا السؤال: هل يجب أن نتعلم الدين كله؟ وما هو الذي يجب أن نتعلمه من الدين؟ وهل صلاة الكسوف والخسوف وصلاة العيد وغيرها من الصلوات يجب أن نتعلمها أم لا؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على الإنسان أن يتعلم كل ما يحتاجه من العلم: فإذا أراد أن يصلى مثلاً يجب أن يتعلم كيف يصلى، وإذا أراد أن يتوضأ يجب أن يتعلم كيف يتوضأ، لكن هذا التعلم يحصل بمشاهدة الناس وما يفعلون إذا كانوا من أهل العلم، ومن ثم نعرف أن من فوائد صلاة الجماعة أن يتعلم الجاهل من العالم. وأما ما لا يحتاجه الإنسان فإنه لا يلزمه أن يتعلمه، فلا نقول للفقير: يجب أن تتعلم أحكام الزكاة- أي: أحكام زكاة الأموال- ولا نقول لمن لا يستطيع الحج: يلزمه أن يتعلم كيف يؤدي الحج، لكن العلم على سبيل العموم فرض كفاية، بمعنى: أنه يجب على الأمة الإسلامية أن تحفظ دينها في جميع أحكامه، حتى لا تتلاعب به أيدي العابثين وتنطلق به ألسن المحرفين. أما صلاة الكسوف والخسوف فإنها سنة، وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة، والغالب أن هذه الصلاة تفعل في المساجد ويتبع الناس فيها إمامهم، فما فعل الإمام يفعلونه. وليعلم أن الكسوف والخسوف معناهما واحد، لكن الغالب أن الخسوف يكون في كسوف القمر، وأن الكسوف يكون في خسوف الشمس، وإلا فمعناهما واحد. بقي أن يقال: متى تشرع صلاة الكسوف؟ والجواب على هذا: أنها تشرع إذا كسفت الشمس أو القمر بانحجاب بعض أجسامهما، وهذا قد يكون كلياً وقد يكون جزئياً، فتسن حينئذٍ الصلاة، فينادى لها: الصلاة جامعة، ويجتمع الناس إليها في المساجد، والأفضل أن تكون في الجوامع، أي: في المساجد التي تقام فيها الجمعة،حتى يكثر الجمع وتحصل الرهبة والخوف من الله عز وجل، ويصلىها الإمام ركعتين، في كل ركعة ركوعان وسجودان، ويطيل القراءة فيها جداً: فالقيام الأول الذي قبل الركوع الأول يكون طويلاً جداً، ثم يركع ركوعاً طويلاً جداً، ثم يرفع فيعيد القراءة: الفاتحة وما بعدها، ثم يركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الأول، ثم يرفع ويحمد ويطيل بقدر الركوع، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر الركوع، ثم يجلس بين السجدتين بقدر السجود، ثم يسجد للثانية كالأولى يطيلها، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويقرأ ويطيل، ولكنه دون الأول، ويركع ويطيل ولكنه دون الأول، ويرفع ويطيل ويقرأ، ثم يركع ركوعاً طويلاً ولكنه دون الأول، ثم يرفع ويطيل القيام بقدر الركوع، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر الركوع، ثم يجلس بين السجدتين ويطيل الجلوس بقدر السجود، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر السجدة الأولى، ثم يجلس ويتشهد ويسلم. وينبغي للإمام بعد ذلك أن يخطب للناس خطبة بليغة يعظهم فيها، إن تيسر له أن يخطب بما خطب به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا هو الأكمل، وإلا قال من عنده كلاماً يعظ الناس ويهز قلوبهم ويخوفهم بالله عز وجل، وإذا كان الإمام لا يستطيع أن يخطب وفي القوم من يستطيع ذلك طلب منه أن يقوم ويعظ الناس، وهذه الخطبة قيل: إنها خطبة الراتبة، يعني: أنها خطبة مشروعة كخطبة العيد بعد الصلاة، وقال بعض أهل العلم: بل هي من الخطب العارضة، والأقرب أنها من الخطب الراتبة، وذلك لأن الكسوف لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا مرة واحدة وخطب، ولو أنه وقع مرة أخرى ولم يخطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقلنا: إنها عارضة، لكن لما خطب فالأصل أنها مشروعة، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن المقام يقتضي ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده.