[مجموعة من السائلات يقلن: يا فضيلة الشيخ نحن السائلات من المدرسة الثانوية بجدة لنا هذا السؤال: هل يؤاخذ الإنسان ويعاقب على الأخطاء والمعاصي وقد قدرها الله عز وجل عليه في اللوح المحفوظ؟ نرجو بهذا إفادة مأجورين.]
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، المعاصي يعاقب عليها الإنسان، إلا إذا كانت دون الشرك، فإنها داخلةٌ تحت مشيئة الله عز وجل. وهذه المعاصي لا شك أنها واقعة بعلم الله ومشيئة الله، وأنها مكتوبة على العبد في اللوح المحفوظ، ومكتوبة على العبد وهو في بطن أمه، ولكن هذه الكتابة ليست معلومة حتى يكون الإنسان بنى عمله عليها، لو كان يعلمها فبنى عمله عليها لقلنا: إن له حجة، لكنه لم يعلمها، فمن يعلم أن الله تعالى قدر له أن يعصي الله وهو لم يعصه حتى الآن؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً) . ولهذا يكون إقدام العاصي على المعصية إقداماً بلا علمٍ أن الله قدرها عليه حتى تقع منه، والحجة لا تكون حجة حتى تكون سابقة على العمل الذي احتج بها عليه. ولهذا قال بعض العلماء: إن القدر سرٌ مكتوم، لا يعلم حتى يقع. وهذا صحيح: من يعلم أن الله قدر أن ينزل المطر غداً، حتى ينزل غداً فنعلم أن الله قدره؟ من يعلم أن فلاناً يعصي الله غداً، حتى يعصي الله هذا الرجل فنعلم أن الله قدره؟ ولهذا لا حجة للإنسان العاصي بقدر الله على شرع الله، فالشرع لا يحتج عليه بالقدر أبداً، ولهذا قال الله تعالى مبطلاً هذه الدعوى، أي: دعوى القدر: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) ولو كانت الحجة صحيحة لم يستحقوا أن يذوقوا بأس الله. وقال الله تعالى:(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ولو كان القدر حجة لم يرفعها إرسال الرسل. ولما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما من أحدٍ إلا وكتب مقعده من الجنة أو من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خلق له. ثم قرأ صلى الله عليه وسلم:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فنحن نقول للإنسان: القدر علمه عند الله عز وجل، وهو سرٌ مكتوم، وأنت مأمورٌ بأن تعمل العمل الصالح، وأن تتجنب العمل السيئ، فقم بما أمرت به: اعمل عملاً صالحاً، واجتنب العمل السيئ، وهذا هو المطلوب منك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.