يقول السائل أنا أب لستة أبناء وقد كنت أعمل في مهنة حرة أكسب منها القليل ولكن لأنه كسب حلال بارك الله لي فيه فكنت أصرف منه وقد سعيت على هؤلاء الأبناء أنا ووالدتهم بما يمليه علينا الواجب وتمليه الفطرة الأبوية إلى أن كبروا واستقلوا بأنفسهم فمنهم الموظف ومنهم صاحب العمل الحر ومنهم المدرس ولكنهم للأسف الشديد لم يوفقوا لبرنا والإحسان إلينا وليت الأمر كذلك فحسب ولكنه تعداه إلى العقوق فهم يشتمونا ويسبونا وقد يضربونا أيضاً دون خوف من الله أو حياء وقد قاطعونا من كل وسيلة اتصال حتى في أعياد المسلمين لا نراهم ولم أكن أنا بتلك الحالة مع والدي حتى أقول هذا جزائي في الدنيا بل على العكس كنت باراً بهما إلى آخر لحظة في حياتهما وتوفيا وهم راضيان عني أما أنا فإني أحمل على هؤلاء الأبناء العاقين كل كراهية وبغض إلى درجة أنني أضرع إلى الله بالدعاء عليهم بالهلاك فهل علي شيء في ذلك وهم ماذا عليهم في عقوقهم هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر والعياذ بالله وأن هؤلاء الأولاد وقعوا في شر كبير عليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى وأن يرجعوا إليه وأن يقوموا ببر والديهما وقد أعظم الله حق الوالدين حتى جعله بعد حقه وحق رسوله قال الله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) أما بالنسبة لك فإن ما أصابك من عقوقهم أمر يجب عليك فيه الصبر واحتساب الأجر من الله وأنت إذا صبرت واحتسبت الأجر من الله نلت بذلك حسنات كما ينالها الصابرون (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ولا ينبغي أن تدعو عليهم بما يضرهم بل ادع الله بما ينفعهم وينفعك فادع الله لهم بالرجوع إلى برك وعدم العقوق حتى تكون بذلك محسناً إليهم وبالتالي محسناً إلى نفسك أيضاً والإنسان قد يصاب بالمصائب وإن لم يكن يظن أنه هو السبب قد يكون هناك أسباب لا تعلمها وقد يبتلي الله الإنسان بمصيبة لا جزاءً له على عمل سيء وقع منه ولكن من أجل أن ترتفع بذلك درجته وينال مقام الصابرين لأن الصبر مرتبة عالية لا تنال إلا بوجود الأسباب التي يصبر عليها حتى يتحقق الإنسان من الاتصاف بها.