[إبراهيم أبو حامد يقول: فضيلة الشيخ ما هو خطر النفاق على العبد المسلم؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: النفاق نفاقان: نفاق أكبر مخرج عن الملة، ونفاق أصغر لا يخرج من الملة. أما الأول فهو: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- والعياذ بالله- كالذي حصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأشار الله إليه في قوله:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) . فهؤلاء يظهرون أنهم مسلمون: فيصلون مع الناس، وربما يتصدقون، ويذكرون الله، ولكنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، ويقرون بالرسالة ولكنهم كاذبون، يقول الله تبارك وتعالى فيهم:(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . هذا النفاق والعياذ بالله نفاق أكبر صاحبه في الدرك الأسفل من النار. واختلف العلماء رحمهم الله هل يكون له توبة أو لا؟ فمن العلماء من قال: إنه لا توبة له، وذلك لأنه لو قلنا بأنه يتوب فإنه لا يبدو من إيمانه إلا ما أظهره لسانه، وهو يظهر الإيمان من قبل. ولكن الصحيح أن إيمانه مقبول إذا تبين من تصرفاته أنه غير منهجه الأول، وأنه تاب توبة نصوحاً، ويدل لذلك قول الله تبارك وتعالى:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) . أما النوع الثاني من النفاق فهو: النفاق الأصغر الذي لا يخرج من الإيمان، مثل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) . وقال:(أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه واحد منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) . فهذا نفاق أصغر لا يخرج من الملة، لكنه يخشى أن يتدرج بصاحبه حتى يصل إلى النفاق الأكبر. وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني على الصدق في المقال، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة على الوجه الأكمل. أما الأول- وهو: الصدق في المقال- فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث عليه ورغب فيه وحذر من الكذب، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) . وأما الوفاء بالوعد فإن الله سبحانه وتعالى مدح الموفين بعهدهم إذا عاهدوا. وأما أداء الأمانة فإن النصوص دلت على وجوب أداء الأمانة، كما في قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) . وكذلك أوصيهم بالقيام بما أوجب الله عليهم من أداء الواجبات: سواء كان ذلك بين الزوجين، أو بين المتعاملين، أو بين العامل المستأجر ومن استأجره، أو غير ذلك من المعاملات، حتى يسلم الإنسان من أن يتصف بشيء من صفات النفاق.