[بارك الله فيكم إذا تجشأ شخص في الصلاة في جانبي فإن رائحته تؤذيني فهل يحق لي أن أخرج من الصلاة لأنني أشعر بالتقيؤ من ذلك؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن التجشؤ في الغالب لا يستمر يحصل مرة واحدة إلا أن يكون عند الإنسان مرض فقد يتكرر ويستمر والمرة الواحدة لا أعتقد أنها تصل بالإنسان إلى حد التقيؤ وعلى هذا فلا تخرج من الصلاة إلا إذا تكرر منه وتأذيت فلا حرج عليك أن تنفصل من الصلاة وتكون في جانب آخر من الصف بعيد عن هذا الرجل وهكذا لو صلى إلى جانبك رجل فيه رائحة كريهة وعجزت أن تتحمل البقاء فلك أن تنصرف وتصلى في جانب آخر بعيداً عنه وبهذه المناسبة أود أن أقول إن كل إنسان ذي رائحة كريهة تؤذي الناس لا يحل له أن يأتي إلى المسجد فيؤذى الناس ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فيمن أكل بصلاً أو ثوماً لا يقربن مساجدنا) ، وتعليل هذا بأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإن هذا الحديث يدل على أن من فيه رائحة كريهة لا يقرب المسجد لا في وقت الصلاة ولا في غيرها، لأنه إن كان في وقت الصلاة فإن الملائكة وبني آدم يتأذون بذلك وإن كان في غير وقت الصلاة فإن الملائكة تتأذى به، ومعلوم أن أذية المؤمنين حرام لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)(الأحزاب:٥٨) وبعض الناس يأكل البصل والثوم ويأتي ورائحته تشمها من بعيد فيدخل المسجد ويصلى مع الناس ويؤذيهم أذية شديدة وهذا حرام عليه ولا يحل له، فإن قال قائل هل تجيزون له أن يأكل البصل ونحوه من ذوي الرائحة الكريهة إذا كان مباحاً في الشرع مع أنه يستلزم ترك المسجد؟ فجوابنا على هذا أن نقول إن أكله من أجل ترك المسجد فهذا حرام عليه وإن أكله لا لهذا الغرض ولكن لأنه يشتهيه أو لمنفعة فيه أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه أن يأكل وإن أدى ذلك إلى ترك المسجد، ونظير ذلك الرجل يسافر في رمضان وإن لم يكن مضطراً إلى السفر ومع هذا فإنه يلزم من سفره أن يستبيح الفطر فهل نقول إن السفر حرام لأنك تستبيح به الفطر لا نقول هذا بل نقول سافر وأفطر، إلا إذا قصد بسفره الإفطار فإنه في هذه الحال يحرم عليه الفطر ولو سافر بل قال أهل العلم يحرم عليه الفطر والسفر معاً لأن السفر لغرض محرم وما كان لغرض محرم فهو حرام.