السائلة حنان ع. ع. من الدوحة قطر تقول: لقد تعود الناس عندنا إذا توفي أحد أفراد العائلة يجتمع الناس للعزاء في الثلاثة الأيام الأولى، ويقرؤون في هذه الفترة القرآن الكريم، ويكملون ما يستطيعون من ختمات للقرآن، يتجمعون بعدها ويقرأ أحد الشيوخ أو إحدى النسوة دعاء ختم القرآن، يأخذونه من كتاب اسمه دعاء ختم القرآن من تأليف أحمد بن محمد البراك، ويقول هذا المؤلف: إنه كتب هذا الكتاب في الهند وداعاً لشهر رمضان؛ لينتفع به المسلمون، وفيه دعاء أول السنة وآخرها، ودعاء ليلة النصف من شعبان، واستوقفتني هذه الجملة؛ لعلمي بضعف الأحاديث الواردة في تخصيص ليلة النصف من شعبان، ثم يذكر في الكتاب كجزء من الدعاء سورة الفاتحة وآيات من سورة البقرة وآل عمران وسور أخرى، ومن الكلام الذي ورد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: أسلم. قال: من شهد يا محمد أن ما تقول صدق؟ فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم شجرة من شاطئ الوادي الأيمن، فجاءت إليه وهي تشق الأرض شقاً، فاستشهدها رسول الله وقال لها: يا شجرة من أنا؟ قالت: أنت رسول الله حقاً. فغادرت إلى مكانها معلنة له بالرسالة نطقاً. وقول آخر عن رسول الله أنه أجار البعير، وضمن الغزالة، وكلّمه الضب، وخاطبه الثعبان، واخضرّ العود اليابس في كفه.ويكرر هذا الدعاء بعدد الختمات التي تمت للقرآن، فيسألون الله فيه أن يكون ثوابه صدقة للميت، فهل تجوز القراءة للميت؟ وما مدى صحة ما ورد في هذا الكتاب؟ أفيدونا بما تعلمون حول هذا الأمر جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب الذي أشارت إليه السائلة لم يكن عندي منه شيء ولا أعلم به. ولكن ما ذكر من اجتماع أهل الميت للعزاء ثلاثة أيام، وقراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الميت، فإن هذا من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كره أهل العلم أن يجتمع الناس للعزاء في بيوتهم أو في مكان خاص، والغالب أنه إذا حصل مثل هذا الاجتماع- ولا سيما اجتماع النساء، الغالب أنه- لابد أن يكون مصحوباً بنياحة أو ندب،وكلاهما محرم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النائحة والمستمعة) . وعلى هذا فالواجب على المسلمين التخلي عن هذه البدع، وأن ينظروا إلى طريقة من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ويتمشوا على طريقتهم، ولاشك أن الصحابة رضي الله عنهم قد أصيبوا بالأموات كغيرهم من الناس، ولم يكن يحدث منهم ذلك،وغاية ما ورد في هذا أنه لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:(اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم) . وأما إهداء القرآن إلى الميت، أو قراءة القرآن للميت: فإن أهل العلم اختلفوا هل يصل ثوابها إليه أم لا؟ والصحيح أنه يصل ثوابها إليه، ولكن استئجار من يقرأ القرآن له هذا هو الذي يكون حراماً؛ لأن قراءة القرآن قربة، والقربة لا يصح أخذ الأجرة عليها، فلو استأجروا شخصاً يقرأ القرآن للميت فإن عقد الإجارة محرم، والقارئ لا يملك الأجرة بذلك، وليس له ثواب من قراءته؛ لأنه أراد بها غير وجه الله، والميت لا ينتفع بها حينئذٍ؛ لأنها ليست مقبولة يترتب عليها الأجر والثواب، وحينئذٍ يكون أهل الميت الذين بذلوا هذه الدراهم خاسرين، وقد فات الميت ما يرجونه من الثواب. وأما ما ذكره من الآيات التي أشار إليها، الآيات التي تدل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: فالآيات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، وأعظمها هذا القرآن العظيم الذي لا يزال معجزة حتى يأتي أمر الله عز وجل، وقد ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الكونية الأرضية والأفقية شيء كثير، من أراد أن يراجعه فليرجع إلى ما ذكره أهل العلم في ذلك، مثل البداية والنهاية لابن كثير، ومثل ما ختم شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الجواب الصحيح به، فإن فيه مقنعاً وكفاية.