فضيلة الشيخ لا شك أن الداعي إلى الله يشترط فيه شروطاً حبذا إذا بينتموها للدعاة إلى الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من شروط الداعي إلى الله عز وجل أن يكون مخلصا لله في دعوته بأن يكون قصده في دعوته إقامة دين الله وإصلاح عباد الله لا أن ينتصر لنفسه وأن يظهر قوله على قول الناس لأنه إذا كان قصده أن ينتصر لنفسه وأن يظهر قوله على قول الناس صار داعية لنفسه لا إلى سبيل الله عز وجل فلا بد من الإخلاص والمخلص في دعوته إلى الله إذا تبين له أن الحق في خلاف قوله رجع إليه وانقاد له واستغفر الله تعالى من الخطأ الذي وقع فيه وإن كان مأجوراً عليه إذا كان قد صدر منه باجتهاد لأنه قد يكون فرط في اجتهاده ولم يستقص.
ثانياً أن يقصد في ذلك إصلاح عباد الله وهو داخل في الإخلاص في الدعوة وإذا كان قصده إصلاح عباد الله فإنه لا بد أن يسلك الطريق الأمثل لحصول هذا المقصود الأعظم بحيث يدعوهم إلى الله عز وجل على وجه الرفق واللين والمداراة دون المداهنة لأن المداراة شيء والمداهنة شيء آخر المداهنة ترك الحق للغير أي من أجل الغير وأما المداراة فهي إيصال الحق إلى الغير بالطريق الأسهل فالأسهل وإن هذا الشرط قد يختل عند بعض الناس فيقصد بدعوته إلى الله انتقاد ما هم عليه وحينئذٍ تفسد دعوته وتنزع البركة منها لأن الذي يقصد انتقاد غيره ليس داعيا له في الواقع ولكنه معيّر له وعائب عليه صنيعه وفرق بين شخص يدعو الغير لإصلاحه وبين شخص يصب جام اللوم والعتاب على غيره بحجة أنه يريد إصلاحه
الثالث من الآداب الواجبة أن يكون عند الداعية علم بشريعة الله فلا يدعو على جهل لقول الله تعالى لنبيه صلى الله علية وسلم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) فلا بد من أن يكون عند الإنسان علم يدعو به لأن العلم هو السلاح والداعي إلى الله بغير علم قد يفسد أكثر مما يصلح والداعي إلى الله بغير علم ربما يجعل الشيء حلالاً وهو حرام وربما يجعل الشيء حراما وهو حلال وربما يوجب على عباد الله ما لم يوجبه الله عليهم فلا بد من العلم المتلقى من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان الداعي قادرا على ذلك بنفسه وإلا فبتقليد من يثق به من أهل العلم وفي هذه الحال أي فيما إذا كان مقلداً لغيره في الدعوة إلى الله إذا ذكر حكماً من الأحكام فإنه ينسبه إلى من قلده فيقول قال فلان كذا وقال فلان كذا إذا كان قد سمعه من فمه أو قرأه من كتاب بيده أما إذا سمعه من شريط فإنه لا يقول قال فلان بل يقول سمعت شريطا منسوبا لفلان لأن هذا أدق في التعبير.
ومن آداب الداعية أن يكون على بصيرة فيمن يدعوه لينزله منزلته ودليل ذلك أن رسول الله لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له (أنك تأتي قوماً أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) وذكر تمام الحديث والشاهد أن النبي صلى الله علية وسلم أخبره بحالهم ليكون على استعداد لمواجهتهم ولينزلهم منزلتهم اللائقة بما عندهم من العلم وهكذا الداعية إلى الله فينبغي للداعية إلى الله أن يكون على بصيرة بحال من يدعوهم حتى يكون مستعدا للحال التي هم عليها.
ومن آداب الداعية أن يكون أول من يمتثل دعوته فيقوم بما يأمر به ويدع ما ينهى عنه لأن هذا مقتضى العقل ومقتضى الشرع كما قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) وقال الله تعالى موبخاً بني إسرائيل (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) فلابد للداعية أن يكون متأدبا بهذا الأدب العظيم أن يكون فاعلا لما يأمر به وتاركا لما ينهى عنه ومع أن هذا مقتضى الشرع ومقتضى العقل فإنه أقرب إلى قبول الناس لدعوته لأن الناس إذا رأوه يسبق غيره فيما دعا إليه فعلا أو تركا وثقوا به وقالوا إن هذا صادق فيما دعا إليه وإنه أمين فتابعوه على ذلك وانقادوا له وإذا رأوه بالعكس سقط من عيونهم ولم يتابعوه وشكوا في دعوته فكان من أهم آداب الداعية أن يكون أول سابق لما يدعوا إليه فعلا لما دعا إلى فعله وتركاً لما دعا إلى تركه.