السؤال: السائل م ح ي من خميس مشيط يقول ما الحكم في رجل أغضبته زوجته فطلقها طلقتين في حال غضبه ثم ندم على ذلك وفي اليوم التالي صالحها وقال أمامها ثلاث مرات أرجعتك إلى عصمة نكاحي السابق فقالت قبلت ولم يعمل سوى ذلك شيئاً فما حكم من فعل هذا الفعل أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال الذي طلق فيه الرجل زوجته من أجل الغضب طلقتين ثم راجعها أن نقول الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى تنتفخ أوداجه ويقف شعره ويحمّر وجهه وربما يفقد وعيه ودواء هذا أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يتوضأ وأن يغير الحالة التي كان عليها إن كان قائماً جلس وإن كان جالساً اضطجع وكذلك أيضاً من أدويته أن ينصرف عن المكان الذي حصل فيه الغضب قبل أن يحدث شيئاً وعلى المرء في تصرفاته أن يغلّب جانب العقل على جانب العاطفة لأن العاطفة تجرف بالإنسان وتلقيه في الهاوية وما أكثر الناس الذين يأتون ليزيلوا آثار غضبهم من طلاق وغيره فعلى المرء أن يتقي الله تعالى في نفسه وأن يأخذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجل فقال أوصني قال (لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب) والحديث صحيح في البخاري هذه نصيحتنا لهذا الأخ السائل وغيره بالنسبة للغضب
أما بالنسبة للطلاق الصادر منه فلا يخلو الغضبان من ثلاث أحوال إما أن يكون الغضب يسيراً يتحكم الإنسان في نفسه وتصرفه فهذا لا شك في أن الطلاق يقع منه ويترتب عليه آثاره لأن مثل هذا الغضب لم يفقده شيئاً من وعيه وتصرفه
والحال الثانية أن يكون الغضب متناهياً بحيث يصل إلى درجة لا يعي الإنسان فيها ما يقول ولا يدري أهو في بر أم بحر أم في أرض أم في سماء ففي هذه الحال لا يقع طلاقه ولو كرره مائة مرة لأن الرجل يكاد يكون فاقداً لعقله أما إحساسه ووعيه فلا ريب أنه فاقدهما وقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن الطلاق لا يقع في هذه الحال
الحال الثالثة أن يكون الغضب وسطاً بين هذين فهو ليس في ابتداءه ولا انتهاءه هو يعي ما يقول ويدري ما يقول لكن الغضب أرغمه على أن يقول ما لا يرضاه وما لا يحبه بمعنى أنه أغلق عليه حتى كأن أحداً أكرهه على أن يطلق وهو يدري أنه طلق ويدري ما يقول لكن كالمرغم على ذلك ففي هذه الحال اختلف أهل العلم هل يقع الطلاق أو لا يقع الطلاق فمنهم من يقول إنه لا يقع ويستدلون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا طلاق في إغلاق) قالوا وهذا مغلق عليه حيث إن الغضب أجبره أن ينطق بالطلاق وبعض العلماء يقول إن الطلاق يقع لأنه يعي ما يقول ويدري ما يقول وكون هذا الأمر شبه إكراه لا يمنع من وقوع الطلاق لا سيما وأن الرجل لم يفعل ما أمر به من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم وتغير حاله والوضوء فهذه الدرجة الوسطى هي محل خلاف بين أهل العلم فأنت أيها السائل انظر إلى حالك هل أنت من أهل الحال الأولى التي في ابتداء الغضب أو من أهل الحال الثانية التي هي غاية الغضب ونهايته أم من أهل الحال الثالثة الوسطى حتى تعرف هل يقع الطلاق منك أو لا يقع وعلى كل حال فإن الطلقتين في مجلس واحد يعتبران طلقة واحدة فلا يقع عليك بهذا الطلاق إن كنت من أهل الطلاق أي من أهل الغضب الذين في الدرجة الأولى أو في الوسطى على رأي من يقول بوقوع الطلاق فيها فإن الطلاق الذي وقع منك يعتبر طلقة واحدة إن لم يسبقه طلقتان فإن لك أن تراجع زوجتك في هذا الطلاق أما إذا كان قد سبقه طلقتان متعاقبتان بمعنى أن كل طلقة بينها وبين الأخرى رجعة فإنه يعتبر هذا الطلاق آخر تطليقات ثلاث ولا تحل لك زوجتك حتى تنكح زوجاً غيرك.