توفي أبي منذ عشرين سنة وكان قاطعاً للصلاة وكان يفطر أحياناً في رمضان كما أخبرتني والدتي وهي تنصحه ولكن بالنسبة للفطر في رمضان امتنع عنه أما الصلاة فكان قاطعاً لها حتى توفي فهل يجوز لي أن أدعو له بالمغفرة والرحمة أفيدوني بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن والدك الذي قطع الصلاة ولم يصل حتى مات لا يحل لك أن تدعو الله له بالمغفرة والرحمة وذلك لأنه مات على الكفر وقد قال الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وإنما حكمنا على والدك بالكفر بترك الصلاة بدلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح والاعتبار على كفر تارك الصلاة أما الأدلة من كتاب الله فمنها قوله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى لم يثبت الأخوة في الدين إلا بهذه الأوصاف الثلاثة التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والمشروط إذا علق على شرط متعدد الأوصاف فلا بد من تحقق هذا الشرط بأوصافه فإذا تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا بالكفر، والمعاصي مهما عظمت لا تخرج الإنسان من الدين إذا كانت لا تصل إلى درجة الكفر ولا تخرجه من الأخوة الإيمانية وانظر إلى قتل المؤمن عمداً فإن قتل المؤمن عمداً من أعظم الكبائر التي دون الشرك ومع ذلك لا تخرج القاتل عن الأخوة في الدين كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) فجعل الله القاتل أخاً للمقتول مع أنه فعل ذنباً من أعظم الذنوب بعد الشرك وهو قتل المؤمن وقال الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فقد جعل الله عز وجل هاتين الطائفتين المقتتلتين أخوين للطائفة المصلحة بينهما فقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) مع أن قتال المؤمن لأخيه من كبائر الذنوب فإذا علم ذلك تبين أن انتفاء الأخوة في الدين لا يكون إلا بكفر مخرج عن الدين وعلى هذا فإذا تاب المشرك من شركه ولكنه لم يقم الصلاة فإنه لا يكون أخاً لنا في الدين فلا يكون مؤمناً بل يكون كافراً خارجاً عن ملة الإسلام فإن قلت ينتقض عليك هذا بإيتاء الزكاة فهل تقول إن من لم يزك يكون كافراً خارجاً عن الملة فالجواب إن بعض أهل العلم قال بذلك وقال إن من ترك الزكاة متهاوناً بها كفر وخرج عن الملة ولكن القول الراجح أنه لا يكفر بدليل حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فكونه يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة يدل على أنه ليس بكافر إذ أن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة وبهذا يكون إيتاء الزكاة الذي تدل الآية بمفهومها على أنه شرط للأخوة في الدين يكون معارضاً بمنطوق الحديث وقد علم من قواعد الأصول أن المنطوق مقدم على المفهوم.