فأجاب رحمه الله تعالى: ينقسم الناس إلى أقسام بالنسبة لالتزام المذاهب فمن الناس من ينتسب إلى مذهبٍ معين لظنه أنه أقرب المذاهب إلى الصواب لكنه إذا تبين له الحق اتبعه وترك ما هو مقلدٌ له وهذا لا حرج فيه وقد فعله علماء كبار كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالنسبة لمذهب الإمام أحمد بن حنبل فإنه أعني ابن تيمية كان من أصحاب الإمام أحمد ويعد من الحنابلة ومع ذلك فإنه حسب ما اطلعنا عليه في كتبه وفتاويه إذا تبين له الدليل اتبعه ولا يبالي أن يخرج على ما كان عليه أصحاب المذهب وأمثاله كثير فهذا لا بأس به لأن الانتماء إلى المذهب ودراسة قواعده وأصوله يعين الإنسان على فهم الكتاب والسنة وعلى أن تكون أفكاره مرتبة.
ومن الناس من هو متعصب لمذهبٍ معين يأخذ برخصه وعزائمه دون أن ينظر في الدليل بل دليله كتب أصحابه وإذا تبين الدليل على خلاف ما في كتب أصحابه ذهب يؤوله تأويلاً مرجوحاً من أجل أن يوافق مذهب أصحابه وهذا مذموم وفيه شبه من الذين قال الله فيهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) وهم وإن لم يكونوا بهذه المنزلة لكن فيهم شبهٌ منهم وهم على خطرٍ عظيم لأنهم يوم القيامة سوف يقال لهم ماذا أجبتم المرسلين لا يقال ماذا أجبتم الكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني أو الإمام الفلاني.
القسم الثالث من ليس عنده علم وهو عاميٌ محض فيتبع مذهباً معيناً لأنه لا يستطيع أن يعرف الحق بنفسه وليس من أهل الاجتهاد أصلاً فهذا داخلٌ في قول الله سبحانه وتعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ويتفرع على هذا السؤال سؤال آخر وهو إذا سأل العامي شيخاً من العلماء فأفتاه وسمع شيخاً آخر يقول خلاف ما أفتي به ممن يأخذ بقوله؟ يتحير العامي أيأخذ بقول هذا أو هذا وهو ليس عنده قدرة على أن يرجح أحد القولين بالدليل فيقال في جواب هذا السؤال لا يكلف الله نفساً إلا وسعها انظر ما يميل إليه قلبك من الأقوال واتبعه فإذا مال قلبك إلى قول فلان لكونه أعلم وأورع فاتبعه وإذا تساوى عندك الرجلان فقيل يؤخذ بأشدهما وأغلظهما احتياطاً وقيل يؤخذ بأيسرهما وأسهلهما لأنه الأقرب إلى قاعدة الشريعة والأصل براءة الذمة وقيل يخير والأقرب أنه يأخذ بالأيسر لقول الله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) والأدلة متكافئة أو لأن المفتيين كلاهما في نظر السائل على حدٍ سواء.