للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السائل محمد عمر أحمد جاد الرب سوداني مقيم بالمدينة المنورة يقول وفقني الله لأداء فريضة الحج في العام الماضي علماً بأنني قد أديت العمرة في الشهر الحرام فقال لي أحد الأخوة إنك متمتع ويجب عليك هدياً فذبحت هدياً بعد أن رميت الجمرة الأولى علماً بأنني تحللت من الإحرام قبل أن أحلق أو أقصر أو آخذ شعيرات من رأسي وقبل الذبح كذلك فعلمت من أحد الحجاج يوم الجمرة الثالثة أن علي هدياً للمرة الثانية أو صيام عشرة أيام ثلاثةٍ في الحج وسبعةٍ بعد رجوعي علماً بأن ثلاثة الأيام مضى منها يومان والمبلغ الذي معي لا يتجاوز الألف ريال وكما وضحت لكم سابقاً فقد ذبحت منه هدياً وما بقي منه في حدود مصاريفي أيام الحج فأرجو منكم أن توضحوا لي ما حكم حجي هذا أصحيحٌ هو أم لا وماذا أعمل في هذه الحالة وقد فات الأوان أفيدوني جزاكم الله خيراً؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على سؤالك أحب أن أوجه إلى إخواننا عامة المسلمين التحذير من الفتوى بغير علم فإن الفتوى بغير علم جناية كبيرة حرمها الله عز وجل وقرنها بالشرك في قوله (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فإن قوله سبحانه (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) يشمل القول على الله في أسمائه وصفاته وفي أفعاله وأحكامه فالذي يفتي الناس بغير علم قد قال على الله ما لا يعلم ووقع فيما حرم الله عليه فعليه أن يتوب إلى الله وعليه أن يمتنع عن صد الناس عن سبيل الله فإن المفتي بغير علم يعتمد المستفتي فتواه فإذا كانت خاطئةً فقد صده عن سبيل الله ومنعه من سؤال أهل العلم لأنه يعتقد أعني هذا المستفتي يعتقد أن ما أجابه به هذا المفتي الخاطئ صوابٌ فيقف عن سؤال غيره وحينئذٍ يكون هذا المفتي الخاطيء صاداً للناس عن سبيل ربهم وما أكثر الفتاوى التي نسمعها في الحج خاصةً وهي فتاوى خاطئة بعيدة عن الصواب بل ليس فيها شيء من الصواب تكاد تقول عند كل عمود خيمة عالمٌ يفتي الناس وهذا من الخطورة بمكان فالواجب على المرء أن يتقي ربه وأن لا يفتي إلا عن علم يأخذه من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو من أقوال أهل العلم الذين يوثق بأقوالهم فهذا الذي أفتاك بما فعلت بأن عليك هدياً أو صيام عشرة أيام أخطأ في ذلك وعملك الذي عملته وهو بأنك تحللت بعد أن رميت جمرة العقبة ولبست ثيابك ظاناً أن ذلك جائزٌ قبل الحلق لا شيء عليك فيه بل إن بعض أهل العلم يقول إن من رمى جمرة العقبة يوم العيد قد حل من كل شيء إلا من النساء ولكن الصواب أنه لا يحل حتى يرمي ويحلق أو يقصر إلا أنك لما كنت جاهلاً في هذا الأمر فلا شيء عليك ليس عليك هدي ولا صيام عشرة أيام ثم إن فعل المحظور أيضاً إذا فعله الإنسان غير معذورٍ فيه ليس هذه فديته بل إن فعل المحظور غير جزاء الصيد وغير فدية الجماع في الحج قبل التحلل الأول كل المحظورات يخير فيها بين ثلاثة أشياء إما أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يذبح فديةً يوزعها على الفقراء لقوله تعالى في حلق الرأس (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ومن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك) وبهذه المناسبة أود أيضاً أن أحذر كثيراً من الناس الذين كلما سئلوا عن محظورٍ من محظورات الإحرام قالوا للسائل عليك دم عليك دم مع أنه مما يخير فيه الإنسان بين هذه الثلاثة بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو ذبح شاة وحينئذٍ يلزم الناس بما لا يلزمهم والواجب على المفتي أن يراعي أحوال الناس وأن تكون فتواه مطابقةٌ لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلاصة جوابي هذا شيئان:

الشيء الأول: التحذير من التسرع في الفتوى التي لا تعتمد على كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أقوال أهل العلم الموثوق بهم عند تعذر أخذ الحكم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

وثانياً: أن ما فعلته أنت أيها الأخ حيث لبست حين رميت جمرة العقبة قبل أن تحلق وهذا لا شيء عليك فيه لأنك جاهل والجاهل الذي لا يدري أي محظورٍ يفعله فلا شيء عليه فيه ثم إنه وقع في سؤالك قلت قبل أن أحلق أو أقصر أو أخذ شعيرات وهذا يدل على أنك ترى أن أخذ شعيراتٍ كافٍ عن التقصير وهذا غير صحيح فإن أخذ شعيرات لا يجزئ بل لا بد من تقصير يعم كل الرأس إما حلق يعم جميع الرأس وإما تقصير يعم الرأس أيضاً أما أخذ شعيرات من جانب كما يفعله عامة الجهال فإن هذا لا يجزئ ولا يجوز الاقتصار عليه.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>