للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[م ن من المدينة النبوية يقول أسأل عن هذا الدعاء هل هو وارد (اللهم يا من لا تراه العيون ولا يصفه الواصفون) ؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا غلط هذا غلط عظيم لأنه إذا قال اللهم يا من لا تراه العيون وأطلق صار في هذا إنكار لرؤية الله تعالى في الآخرة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب وكما يرون القمر ليلة البدر) وقد أنكر قوم رؤية الله عز وجل وقالوا إن الله لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة وذلك بناء على عقولهم التي يعتمدون في إثبات الصفات لله عز وجل ونفيها عنه عليها أي على عقولهم وهذا خطأ عظيم أن يحكِّم الإنسان عقله في أمر من أمور الغيب لأن أمور الغيب لا يمكن إدراكها إلا بمشاهدتها أو مشاهدة نظيرها أو خبر الصادق عنها فتجدهم ينكرون رؤية الله ويحرفون كلام الله ورسوله بناء على عقيدتهم المبنية على العقل الفاسد لأن حقيقة تحكيم العقل أن يسلم الإنسان لما أخبر الله به ورسوله تسليماً تاماً فإن هذا مقتضى العقل ومقتضى الإيمان قال الله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وهؤلاء المنكرون لرؤية الله تعالى في الآخرة لم يسلموا تسليماً بل أنكروا ذلك وقالوا لا يمكن فقيل لهم سبحان الله النصوص واضحة في هذا في القرآن الكريم قال الله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ناضرة أي حسنة (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي تنظر إلى الله عز وجل وإضافة النظر إلى الوجوه يعني أنه بالعين لأن أداة النظر في الوجه هي العين فحرفوا الكلم عن مواضعه وقالوا (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي إلى ثواب ربها ناظرة وهذا تحريف زادوا في الآية كلمة كما زادت بنو إسرائيل حرفاً حين قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة وقيل لهم إن الله سبحانه وتعالى يقول (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) وهذه الآية تدل على ثبوت أصل الرؤية لأن معنى لا تدركه أي تراه ولا تدركه لأنه أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته والعجب أنهم يستدلون بهذه الآية على نفي الرؤية وهي حجة عليهم وقيل لهم إن موسى عليه الصلاة والسلام قال (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) ولو كانت الرؤية ممتنعة على الله عز وجل لكانت غير لائقة به وموسى أحد الرسل أولي العزم لا يمكن أن يسأل الله مالا يليق به أبداً مستحيل قالوا إن الله قال له (لن تراني) نعم قال (لن تراني) يعني في الدنيا لن تثبت لرؤيتي ولهذا ضرب الله لهم مثلاً فقال (انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً) اندك الجبل ساوى الأرض حينئذٍ خر موسى صعقا مما رأى فيكون بهذه الآية التي استدلوا بها على نفي الرؤية دليل عليهم والحمد لله وقيل لهم إن الله تعالى يقول في الفجار (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) وجعل هذا عقاباً عليهم ولو كان الأبرار لا يرونه لاستوى في هذا الحكم الفجار والأبرار ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله إن الله لم يحجب هؤلاء عنه في حال الغضب إلا وقد أذن للأبرار أن يروه في حال الرضا أو كلمة نحوها وهذا استدلال جيد وقيل لهم إن الله تبارك وتعالى قال (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) وقد فسر أعلم الخلق بكلام الله وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق فيما يقول قال (إن الزيادة هي النظر إلى وجه الله) وقيل لهم إن الله تعالى قال (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) وقد فسر المزيد بأنه النظر إلى وجه الله كما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة، وقيل لهم إن الله تعالى قال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) وحذف المفعول ليعم كل نظرة يستمتعون بها ويتلذذون بها وأجلها رؤية الله عز وجل فهم ينظرون الرب عز وجل وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم وينظرون الكفار الذين كانوا في الدنيا يضحكون بهم وإذا مروا بهم يتغامزون، وقيل لهم إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بالله وأنصحهم لعباد الله وأفصحهم في المقال وأسدهم في القول قال (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإذا استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) وأخبر أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، فانظر إلى هذا التثبيت والتقرير والتوكيد لرؤية الله عز وجل بضرب هذه الأمثلة التي لا يشك فيها أحد الشمس في حال الصحو ليس معهاسحاب لا يشك أحد في رؤيتها والقمر ليلة البدر لا أحد يحتجب عنه رؤيته كل يراها ولهذا أجمع الصحابة رضي الله عنهم وأئمة الأمة على ثبوت رؤية الله عز وجل في الآخرة لم يرد عن أحد منهم أنه نفى ذلك أبداً وأدنى ما يقال لهؤلاء ائتوا إلينا لنجلس في أحد المساجد ولندعو الله عز وجل فنقول اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها يا رب العالمين لا أظن أن يثبت لهم قدم على ذلك أبداً لن يصبروا أن يأتوا ويدعوا الله عز وجل بهذا الدعاء مما يدل على أن إيمانهم بانتفاء الرؤية ليس إيماناً عن يقين، والخلاصة أن رؤية الله سبحانه وتعالى ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع السلف ونسأل الله تعالى لمن أنكرها أن يهديهم إلى الحق حتى يلقوا الله عز وجل وهم مؤمنون بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومتبعون للصحابة رضي الله عنهم في هذه المسألة البينة الواضحة.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>