يقول السائل لا شك أن لتلاوة القرآن الكريم آداباً يجب أن يتحلى بها القارئ والمستمع حدثونا عن هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من آداب قراءة القرآن أن يخلص الإنسان نيته لله تعالى بتلاوته فينوي بذلك التقرب إلى الله سبحانه وتعالى حتى لو أراد مع ذلك أن يثبت حفظه إذا كان حافظاً فإن هذه نيةٌ صالحة لا تنافي الإخلاص لله عز وجل.
ومن الآداب أن يستحضر الثواب الذي رتب على تلاوة القرآن ليكون محتسباً بذلك على ربه عز وجل راجياً ثوابه مؤملاً مرضاته.
ومن الآداب أيضاً أن يكون متطهراً وذلك لأن القرآن أشرف الذكر وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل سلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى توضأ قال (إني لست على وضوء أحببت أن لا أذكر الله إلا على طهارة) ولكن إن كان الإنسان جنباً فإنه لا يجوز أن يقرأ القرآن إلا إذا قرأ شيئاً يريد به الذكر وهو من القرآن فلا بأس أو يريد به الدعاء وهو من القرآن فلا بأس فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يريد بذلك البسملة والتبرك بذكر اسم الله لا يريد التلاوة فلا بأس بهذا ولو قال ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب يريد بذلك الدعاء لا القراءة فلا بأس أما إذا كان يريد القراءة فإن القرآن لا تحل قراءته للجنب وأما من به حدثٍ أصغر فيجوز أن يقرأ القرآن لكن لا يمس المصحف لأن المصحف لا يمسه إلا طاهر لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه إلى عمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) والمراد بالطاهر الطاهر من الحدثين الأصغر والأكبر ولقول الله تعالى حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فدل هذا على أن الإنسان قبل الوضوء والغسل والتيمم غير طاهر وأما من قال إنه لا يجوز مس المصحف إلا لطاهر واستدل بقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فاستدلاله بهذه الآية ضعيف لأن المراد بـ (الْمُطَهَّرُونَ) في الآية الكريمة الملائكة ولو أراد المطهرون يعني الذين على طهارة لقال إلا المتطهرون أو إلا المطهرون كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أما من قال إنه يجوز أن يمس المصحف بدون طهارة مستدلاً بالبراءة الأصلىة وأنه لا دليل على ذلك وحمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) على أن المراد بالطاهر المؤمن لقوله صلى الله عليه وسلم (إن المسلم لا ينجس) فجوابه عن ذلك ضعيف لأنه ليس من عادة النبي عليه الصلاة والسلام أن يعبر عن المؤمن بالطاهر وإنما يعبر عن المؤمن بالإيمان والواجب حمل خطاب المتكلم على المعهود في كلامه الغالب فيه لا على أمرٍ لا يقع في كلامه إلا نادراً على كل حال من آداب قراءة القرآن أن يكون الإنسان متطهراً
قال بعض أهل العلم ومن آدابها أي من آداب قراءة القرآن أن يتسوك عند قراءة القرآن لتنظيف فمه وتطهيره بالسواك حيث تمر الحروف من هذا الفم فيحصل أن لا تمر إلا من طريقٍ مطهر ومن آداب قراءة القرآن أن يقرأ بتدبر وتمهل وخشوع بقدر ما يستطيع فأما حفظ القرآن والسرعة فيه فإن كان يؤدي إلى إسقاط الحروف فإن ذلك حرام لأنه يخرج الكلمات عن صورتها والحروف عن صورتها وإن كان لا يؤدي إلى إسقاط الحروف فإن ذلك لا بأس به سواءٌ قرأه بالتجويد أو بغير تجويد لأن قراءته بالتجويد من باب تحسين الصوت وليس من باب الأمر الواجب فإن حسن صوته بالقرآن بالتجويد فهذا خير وإن لم يفعل فلا إثم عليه
أما بالنسبة لاستماع القرآن فإن من الآداب أن يكون المستمع منصتاً متابعاً لقول الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ولا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن عنده وهو غافلٌ لاهٍ أو متحدثٌ مع غيره بل الأفضل والأولى أن يستمع وينصت لتناله الرحمة وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن عند قومٍ يرى أنه لا تعجبهم القراءة في ذلك الوقت لأنه بهذا يشق عليهم ويحملهم ما لا يستطيعون لكن إن رأى منهم محبةً لقراءته أو طلبوا منه ذلك فهذا طيب أن يقرأ فيعمر المكان بقراءة القرآن أما أن يرهقهم بالقراءة وهم لا يريدونها في هذا المكان وفي هذا الوقت فهذا ليس بجيد ولا ينبغي للإنسان أن يفعل ولذلك لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يرهق أصحابه بقراءة القرآن كلما جلس معهم بل كان عليه الصلاة والسلام يراعي أحوالهم ويفعل ما يرى أنه أصلح لهم في دينهم ودنياهم وأنت إذا قرأت على قومٍ لا يحبون قراءة القرآن في هذا المكان أو في هذا الزمن فربما تحملهم على كراهة القرآن فيأثمون وتأثم أنت لأنك أنت السبب ولكن يقرأ القرآن إذا ما ائتلفت عليه القلوب وأحبته
ومن آداب القرآن للقارئ والمستمع إذا مر بآية سجدة أن يسجد فإن السجود عند آية السجود من السنن المؤكدة حتى قال بعض أهل العلم إن السجدة واجبة ولكن القول الراجح أنها أعني سجدة التلاوة ليست بواجبة إن سجد فقد فعل خيراً وإن ترك فلا شيء عليه لأنه ثبت في الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر آية السجدة في سورة النحل فنزل وسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد وقال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء يعني لكن إن شيءنا سجدنا وإن شيءنا لم نسجد قال هذا بمحضرٍ من الصحابة رضي الله عنهم فالسجود للتلاوة سنة وليس بواجب.