[المهندس أبو محمد س. م. من إيران طهران بعث برسالة يقول نقرأ في بعض الكتب أن لأحمد بن حنبل في المسألة الفلانية قولين أو ثلاثة فلا أدري هل يعني ذلك أن هذه الأقوال هي عدة آراء رآها الإمام أحمد ولم يترجح عنده أحدها أم أنها آراء قد نسخ اللاحق منها السابق أم ماذا نرجو بيان ذلك؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: بيان ذلك أن العلماء الكبار المجتهدين قد تختلف اجتهاداتهم من آنٍ إلى آخر بحسب ما يبلغهم من العلم والإنسان بشر وطاقةٌ محدودة قد يكون عنده في هذا الوقت علمٌ ثم يتبين له أن الأمر بخلافه في وقتٍ آخر إما بسبب البحث ومراجعة الكتب وإما بالمناقشة فإن الإنسان قد يركن إلى قولٍ من الأقوال ولا يظن أن هناك معارضاً له ثم بالمناقشة معه يتبين له أن الصواب في خلافه فيرجع والحاصل أن الإمام أحمد إذا روي عنده في مسألةٍ أقوال متعددة فإن معنى ذلك أنه رحمه الله يتطلع في القول الثاني على أمرٍ لم يطلع عليه في الأمر الأول فيقول به ثم هل نقول إن هذه الآراء باقية أو نقول إن آخرها نسخ أولها؟ نقول إن هذه الآراء باقية وذلك لأن هذه الآراء صادرةٌ عن اجتهاد والاجتهاد لا ينقل باجتهادٍ مثله فقد يكون الصواب في قوله الأول مثلاً فتبقى هذه الأقوال اللهم إلا إذا صرح برجوعه عن القول الأول مثل قوله رحمه الله كنت أقول بطلاق السكران حتى تبينته فتبينت أنني إذا قلت بوقوع الطلاق أتيت خصلتين حرمتها على زوجها الأول وأحللتها إلى زوجٍ آخر وإذا قلت وإذا قلت بعدم الطلاق أتيت خصلةً واحدة أحللتها للزوج الأول فهذا صريحٌ في أنه رجع عن القول الأول فيؤخذ بالقول الثاني أما إذا لم يصرح فإن القولين كلاهما ينسب إليه ولا يكون الثاني ناسخاً وربما يقال إنه إذا أيد القول الثاني بنص واستدل له فإنه يعتبر رجوعاً عن القول الأول لأن النص واجب الإتباع فإذا قيل بهذا فله وجه وحينئذٍ يكون قوله الثاني هو مذهبه والله أعلم