[عندنا ناس في القرية لا يصلون ونأمرهم بالصلاة لكنهم لا يفعلون والمشكلة بأنهم أقرباء لي وهم أخوالي وأنا أجلس معهم وأحادثهم فماذا علي أن أفعل مع أنني لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان لأنهم معي في كل وقت فبماذا تنصحونني جزاكم الله خيرا؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يقتضي مني شيئين:
الشيء الأول توجيه النصيحة إلى هؤلاء القوم الذين ذكر السائل أنهم لا يصلون فإن كانوا لا يصلون مطلقاً لا في البيوت ولا في المساجد فهم كفار مرتدون خارجون عن دين الإسلام لدلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على ذلك وقد تكلمنا على هذا مرارا وكتبنا فيه رسالة صغيرة وكتب فيه غيرنا وبينا الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة فنحيل القارئ إلى ما كتبناه في هذا الموضوع ونبين أن كل من عارض هذا القول فإنما يعارضه بما لا دليل له فيه وأعلى ما يقال في هذا كلمة واحدة هي أن النصوص العامة في أن من قال لا إله إلا الله لا يخلد في النار هي عامة خصصت بالنصوص الدالة على كفر تارك الصلاة هذا إذا سلمنا صحة الدليل وصحة الاستدلال فإنا نقول هذا عام ونصوص كفر تارك الصلاة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة التي حكى بعض الأئمة إجماعهم على كفر تارك الصلاة مخصصة لهذا العموم وحينئذ يتبين ضعف كل احتجاج يحتج به المخالف في هذه المسألة فأنصح هؤلاء القوم الذين تحدث عنهم السائل أقول اتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في أهليكم لأنهم إذا رأوكم لا تصلون لم يصلوا واتقوا الله في قريتكم واتقوا الله في عموم المسلمين لأن الله تعالى يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وإذا أضاع المجتمع المسلم صلاته فما الذي بقي عليه إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصف الصلاة بأنها عمود الإسلام وعمود البنيان لا يمكن للبنيان أن يقوم بدونه ثم إنه ما الذي يضيره من الصلاة مدتها قليلة بالنسبة للأربع والعشرين ساعة مع ما فيها من نشاط وتطهير للبدن وإنابة إلى لله عز وجل وخشوع وسلامة قلب وإصلاح عمل (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) ومع ما فيها من ثواب الآخرة فقد قال الله عز وجل (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصلىنَ) فالمصلى لا يجزع إذا مسه الشر بل يقول هذا من قضاء الله وقدره والحمد لله على كل حال والمصلى إذا مسه الخير بذله ونفع به عباد الله ونفعه لعباد الله نفع لنفسه في الحقيقة فاستثنى الله المصلىن (إِلاَّ الْمُصلىنَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) ثم ذكر صفاتهم ثم قال في آخر ذلك (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) فبدأ بالصلاة وختم بها ولا يسع المقام أن أتكلم عن آثار الصلاة في القلب والوجه والاتجاه والعمل لأنها كثيرة فليتقوا الله في أنفسهم وليكرهوا أنفسهم على ما فيه الخير يكرهوا أنفسهم على الصلاة وليتمرنوا عليها لمدة أسبوع وأنا واثق أنهم إذا كانوا مقبلين على الله بأداء الصلاة في هذا الأسبوع فسوف يجدون حياة جديدة ولذة في العبادة وأنسا بالله عز وجل فليتقوا الله ربهم ثم إذا كانوا يؤدون الصلاة في بيوتهم فهذا لا شك خير لكن قد فاتهم الأجر العظيم في ترك الصلاة مع الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر بأن (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وهؤلاء القوم فيما أظن لو قيل لهم أنكم ستربحون في هذه السلعة واحد في العشرة ليس سبعة وعشرين في الواحدة لتجشموا المصاعب وشدوا الرحال لتحصيل هذا المكسب فكيف بمكسب الآخرة الذي هو خير وأبقى ثم إنهم إذا فوتوا الصلاة مع الجماعة كانوا متشبهين بالمنافقين كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا) ثم إنهم إذا تخلوا عن الجماعة كانوا معرضين أنفسهم للعقاب لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم في صلاة الجماعة أنها واجبة وأنه لا يجوز التخلف عنها إلا من عذر هذه نصيحتى لهؤلاء القوم الذين تحدث عنهم السائل أما الجواب على سؤاله فأقول إذا كان أقاربه هؤلاء لا يصلون مطلقا وبذل لهم النصيحة تلو النصيحة ولكنهم لم يمتثلوا فالواجب عليه هجرهم والبعد عنهم فلا يسلم عليهم ولا يجيب دعوتهم ولا يدعوهم إلى بيته وليصبر على ذلك فإن الله تعالى سيجعل له فرجا ومخرجا لكن مع هجرهم لا ييأس يدعوهم ينصحهم إما بالمشافهة أو بالمراسلة فلعلهم مع كثرة النصح يهتدون إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم.