سائل يقول ما هو مفهوم المساواة بين المرأة والرجل في الإسلام وهل عمل الفتاة بجانب الرجل في جو مشحون بالفساد يعتبر داخلا تحت هذا المفهوم إذا كان كذلك فما معنى قوله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ) وهل هذا الأمر خاص بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم أم هو عام لكل نساء المسلمين إلى قيام الساعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دمنا في السؤال عن المساواة فإني أحب أن أقول إن المساواة لم تأت في القرآن ولا في السنة مأمورا بها أبدا وإنما الأمر في الكتاب والسنة بالعدل قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) ولا يرتاب أحد يفهم دلالات الألفاظ أن بين قولنا عدل وقولنا مساواة فرقا عظيماً فإن المساواة ظاهرها التسوية بين الأمور المختلفة وهذا خلاف المعقول والمنقول بخلاف قولنا عدل فإن العدل إعطاء كل ذي حق ما يستحقه وتنزيل كل ذي منزلة منزلته وهذا هو الموافق للمعقول والمنقول وعلى هذا فليس في القرآن ولا في السنة الأمر بمساواة المرأة مع الرجل أبداً بل فيهما الأمر بالعدل كما سمعت والذي أحبه من كتابنا ومثقفينا أن يكون التعبير بكلمة العدل بدل كلمة المساواة لما في المساواة من الإجمال والاشتراك واللبس بخلاف العدل فإنها كلمة واضحة بينه صريحة في أن المراد أن يعطى كل ذي حق حقه وإذا تدبرت القرآن لوجدت أكثر ما فيه نفي المساواة (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)(لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ)(هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) وما أشبه ذلك من الآيات المتعددة التي فيها نفي المساواة وليس إثباتها ولا أعلم دليلاً في الكتاب والسنة يأمر بالمساواة أبداً وإذا كان كذلك فإن العدل أن تعطى المرأة ما يليق بها من الأعمال والخصائص وأن يعطى الرجل ما يليق به من الأعمال والخصائص وأما اشتراك الرجل والمرأة في عمل يقتضى الاختلاط والكلام والنظر وما أشبه ذلك فإنه لا شك أنه عمل مخالف لما تقتضيه الشريعة الإسلامية في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كتاب الله يقول الله تعالى ما ذكره السائل (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) ويقول تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) فإذا كان الرجل مع الحاجة إلى مخاطبة المرأة ومكالمتها لا يكلمها إلا من وراء حجاب فكيف إذا لم يكن هناك حاجة وقوله تعالى (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) يدل على أنه إذا حصل ما يخالف ذلك كان فيه تلويث للقلب وزوال للطهارة ومن المعلوم أنه إذا كان هذا أطهر لقلوب أمهات المؤمنين فإن غيرهن أولى بالتطهير والبعد عما يلوث القلب وعلى هذا فنقول إن القرآن دل على أن المرأة تبتعد عن الرجل وإذا دعت الحاجة إلى أن يكلمها فإنه يكلمها من وراء حجاب أما في السنة فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) كل هذا من أجل أن تبتعد المرأة عن الرجل حتى في أماكن العبادة.