من ليبيا السائل ف. أ. م. يقول في شهر رمضان عندما أصحو من النوم أجد في فمي دم أحياناً أسهو فأبلع هذا الدم فما حكم صيامي مع العلم بأنه يحدث لي يومياً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام هذا السائل صحيح لأن هذا الدم الذي يخرج منه في أثناء النوم إن تسرب منه شيء إلى بدنه في حال نومه فهو معفو عنه لأن النائم ليس عليه إثم فيما جرى منه لأنه قد رفع عنه القلم أما إذا استيقظ ثم ابتلع شيئاً منه بغير قصد فليس عليه قضاء أيضاً ولا يفسد صومه بذلك لأنه ابتلعه بغير اختياره ومن المعلوم أن مفسدات الصوم أي مفطرات الصائم لا تفطره إلا بشروط ثلاثة الشرط الأول أن يكون عالماً الشرط الثاني أن يكون ذاكراً والشرط الثالث أن يكون مريداً للمفسد أي للمفطر فإن كان جاهلاً فصومه صحيح سواء كان جاهلاً بالحكم الشرعي أم جاهلاً بالحال أي بالوقت مثال الجاهل بالحكم الشرعي أن يحتجم الإنسان وهو صائم يظن أن الحجامة لا تفطر فإن هذا لا قضاء عليه ومثال الجاهل بالحال أن يأكل الإنسان ويشرب بعد طلوع الفجر ظاناً أن الفجر لم يطلع ثم يتبين أنه قد طلع أو أن يفطر بناء على غلبة ظنه أن الشمس قد غابت لكونه في يوم غيم أو محبوساً في مكان لا يرى الشمس ثم يتبين بعد ذلك أن الشمس لم تغرب فصومه صحيح أيضاً لما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت (أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس) ولم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء وكذلك من الجهل بالحال أن يتناول الإنسان شيئاً مفطراً يظن أنه ليس من المفطرات وهو يعرف مثلاً أن الأكل مفطر للصوم ولكنه يتناول شيئاً يظن أنه من الأشياء الغير المفطرة مثل أن يظن أن المفطر من الأكل ما كان مغذياً ثم يبتلع خرزة أو شبهها مما يظن أنها لا تفطر فهذا أيضاً لا قضاء عليه لأنه جاهل وأما الناسي فليس عليه قضاء أيضاً يعني لو نسي فأكل أو شرب فليس عليه قضاء ودليل هذا -أعني-أن الجاهل والناسي لا يفسد صومه بتناول ما يفطر عموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) والحديث الخاص حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما في كونهم أفطروا قبل مغيب الشمس ثم طلعت الشمس والحديث الخاص أيضاً في الناسي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) أما من ليس مريداً للمفطر مثل أن يدخل الماء إلى جوفه حين المضمضمة بدون قصد فلأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ويقول عز وجل (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) وهذا الرجل لم يتعمد المفسد فهو في معنى الجاهل والناسي من وجه وفيه الدليلان اللذان ذكرتهما ومن المعلوم أن النائم غير مريد لما يبتلعه فيما لو ابتلع دماً خرج من أسنانه وهو نائم وخلاصة القول في جواب هذا السائل أن هذا الدم الذي يخرج منه وهو نائم في حال صومه لا يفطره ولو فرضنا أنه ابتلع شيئاً منه في حال النوم وأما بعد النوم فإنه يجب عليه أن يلفظ هذا الدم فإن ذهب منه شيء إلى جوفه بدون قصد فلا حرج عليه وصومه صحيح.