فأجاب رحمه الله تعالى: إخلاص العمل هو أن العبادة لا يراد بها إلا وجه الله والدار الآخرة لا يراد بها الدنيا يعني لا يصلى الإنسان لأجل أن يمدح ويقال ما أقومه للصلاة ما أكثر صلاته وما أشبه ذلك بحيث يجعل عمله خالصاً لله عز وجل يريد به الثواب من عنده وبعض الناس ربما يجتهد في العبادة ليقال إن فلاناً كثير الصلاة أو إن فلان كثير العمرة أو إن فلاناً كثير الحج أو إن فلاناً كثير الصدقات وهذا يخل بالإخلاص قال الله عز (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والله لو تأمل الإنسان هذه الآية لاتعظ كثيراً فأنت ما خلقت إلا للعبادة وليس وجودك في هذه الدنيا لتعمر الدنيا ولتبني القصور ولتركب السيارات الفخمة ولترفه جسدك وإنماخلقت للعبادة ومن خلق للعبادة ينبغي أن يجعل عمله كله عبادة ولهذا كان الموفقون الكيسون يجعلون عاداتهم عبادة والغافلون يجعلون عباداتهم عادة فأنت تجد الموفق وأسأل الله أن يجعلني ومن سمع منهم إن أكل يأكل امتثالاً لأمر الله لأن الله أمر به (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) ويقصد بالأكل حفظ بدنه وهو مأمور بحفظ بدنه وإن أكل يريد الاستعانه به على طاعة الله فيكون طعامه الذي يتلذذ به أكلاً وشرباً يكون عبادة وإن لبس ينوي بذلك ستر عورته وسوأته عن الناس ثم يتذكر بهذا أنه كما يحب أن يستر عورته الحسية عن الناس فليستر عورته المعنوية بالتوبة إلى الله ولهذا لما قال الله عز وجل (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ) وهذا اللباس الضروري (وَرِيشاً) وهذا لباس الجمال قال (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ) لباس التقوى ذلك خير فإذا نوى واستحضر بقلبه عند اللباس هذا المعنى صار اللباس عبادة وهكذا العادات يستطيع المؤمن الموفق الكيس أن يجعل عاداته عبادات.
وأما الغافل فعباداته عادات اعتاد إنه إذا أذن في المسجد يصلى واعتاد أنه إذا جاء رمضان صام واعتاد أنه إذا جاء وقت الزكاة تصدق وهو في غفلة ولهذا فالنية لها مدخل عظيم في العبادات ففي الوضوء مثلاً أكثرنا إذا جاء وقت الصلاة أو أراد أن يصلى نافله قام وتوضأ وصلى لكن هل منا من يستحضر أنه إذا كان يصلى يمتثل أمر الله في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هل يستحضر أنه يطبق قول الله عز وجل (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) عند غسل وجهه فالذي ينبغي لنا أن نستحضر هذا ونخلص لله عز وجل فينوي المسلم في قلبه أغسل وجهي امتثالاً لأمر الله وأغسل يدي امتثالاً لأمر الله وأمسح رأسي امتثالاً لأمر الله وأغسل رجلي امتثالاً لأمر الله ثم يستحضر أيضاً معنىً آخر أنني أفعل هذا اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكأني أشاهد الرسول عليه الصلاة والسلام يتوضأ على هذه الكيفية حينئذٍ نحقق في هذا الاستحضار الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والحقيقة أن الإنسان إذا عرف قدره وقدر حياته استطاع بمعونة الله عز وجل أن يقلب عاداته عبادات وأن يكمل عباداته باستحضار هذه النيات ويكون حقق قول الله عز وجل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أسأل الله تعالى أن يمن علي وعليكم وعلى من سمع بهذه النية الطيبة.