هذه رسالة وردت من الأخت هـ. ع. من المملكة العربية السعودية تقول أولاً إنني فتاة أبلغ من العمر السادسة عشرة وزوجني والدي بزوج لا أعرفه ولا أعرف عنه أي شيء، إن والدي جبرني عليه وعشت مع هذا الزوج خمسة أشهر فقط، أنا لا أحبه أبداً، إنه يضربني، وفي يوم ضربني ضرباً شديداً وطلق بالثلاث ست مرات، وعدت إلى أهلي، وأنا الآن عندهم من حوالي عشرة شهور وهو تاركني إلا أنني حزينة معذبة في أشد العذاب، والدي منعني من إكمال دراستي بدون سبب، وهذا الزوج يقول لن أطلقها إلا بعد خمس سنوات أو أكثر، والدي يقول لن أكلمه ظفرة، إن أخذك يأخذك أو يتركك، ماذا أفعل أرجوكم إنني في هم، ووالدي جبرني عليه، وأخذ حتى مال الزواج كله، إن والدي صعب علينا ونخاف منه ولا أقدر أكلمه عن أي شيء أبداً، ماذا أفعل أرجوكم الحل، وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاثة أمور، الأمر الأول عقد الزواج لك على رجل لا تعرفينه ولم ترضي به، وهذا حرام على أبيك أن يزوجك إلا بعد إذنك في الزواج من شخص يبين لك جميع ما تتعلق به الرغبات من وصفه خلقة وخلقاً وديناً وكسباً وجمالاً، على كل حال لا يجوز للأب ولا لغيره أن يزوج أحداً ممن له ولاية عليه إلا بعد أخذ إذنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الثيب حتى تستأمر) وفي رواية صحيحة في مسلم (والبكر يستأمرها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب، والصحيح من أقوال أهل العلم أن النكاح إذا زوجك والدك بمن لا ترضين أن النكاح غير صحيح، ولكن إن أجزتيه فهو صحيح وإلا فلك الفسخ، بل على الأصح لك إبطال العقد ومنع نفوذه، هذه واحدة.
الأمر الثاني مما يتعلق بهذا السؤال معاملة زوجك لك، إذا كان ما قلتي صحيحاً فإن هذه المعاملة معاملة سيئة وهي خلاف قول الله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهذه المعاملة تبيح لك أن تطلبي فراقه والخلاص منه، ولا يحل له هو في هذه الحال أن يعضلك حقك لتفتدي منه بما أعطاك من مهر أو بدونه أو بأكثر منه، بل الواجب عليه وعلى كل زوج أن يعاشر زوجته بالمعروف في الإنفاق وفي المنام وفي الخطاب وفي كل الأحوال لقول الله تبارك وتعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) .
الأمر الثالث بالنسبة لوالدك فإن الواجب عليه في هذه الحال، إذا صح ما قلتي عن زوجك، الواجب عليه أن يدافع عن حقك، وأنت من أحق الناس ببره، وهو أولى الناس بالدفاع عنك، وأنت في هذا الحال لا شك مظلومة، فعلى والدك أن يدفع الظلم عنك، لأن ذلك من البر والصلة، ولا يجوز له أن يسكت على هذا الأمر، وكل أمر فإنه يمكن حله، إما بطريق المصالحة وأن يبعث حكمان من أهلك ومن أهله، وينظرا في الموضوع ويفرقا بينكما إذا لم يمكن الجمع، وإما إذا لم تمكن هذه الطريقة فبأي طريقة أخرى يمكن بها حل هذه المشكلة، وآخر الطب الكي كما يقال، آخر الأمر عرضها على المحكمة الشرعية لتقضي فيها ما يقرره الشرع.
فضيلة الشيخ: بالنسبة لتطليقها ست مرات بالثلاث هي ذكرت ذلك وأنه أمسكها وقال لن أطلقها إلا بعد خمس سنوات أو أكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التطليق يحتاج إلى بحث عن حال الزوج فقد يكون في حال غضب شديد لا يدري ما يقول، وقد يكون له أحوال أخرى تمنعه من تصور ما يقول، فلا نستطيع أن نحكم على هذا إلا بعد العلم الذي يمكننا منه أن نحكم عليه، لكن فيما لو وقع أن رجلاً طلق غير هذه القضية ست مرات فإن المعروف عند أهل العلم أن طلاقه يكون بائناً بثلاث طلقات والباقي زيادة، ومن العلماء من يقول إنه لا طلاق إلا بعد رجعة، وأن الطلاق مهما كرر ولم يتخلله رجعة فإنه ليس بشيء، فالعمل على الطلقة الأولى لأن الله تعالى يقول (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) والطلاق بعد الطلاق ليس طلاقاً للعدة ولكنه طلاق في العدة، وفرق بين الطلاق للعدة والطلاق في العدة، ثم إن حديث ابن عباس رضى الله عنهما كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة عمومه يقتضي أنه لا فرق بين الطلاق المكرر جملة والطلاق الذي وقع بلفظة واحدة ووصف بالثلاث أي أن لا فرق بين أن يقال أنت طالق ثلاثاً أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق، فإن ظاهر الحديث أنه لا فرق بينهما خصوصاً وأن أهل العلم الذين يقولون بوقوع الطلاق الثلاث البائن من جملة ما أجابوا به عن هذا الحديث أن ذلك في غير المدخول بها، قالوا لأنها تبين بالطلقة الأولى فتقع الطلقتان الثانية والثالثة على غير زوجة فلا تحسبان على المطلق مما يدل على أن هذا الحكم الذي دل عليه الحديث يشمل ما إذا كان الطلاق مكرراً بجملة أو بجملة واحدة موصوفاً بالثلاث.
فضيلة الشيخ: لكن هل تغير الحكم بعد عمر رضى الله عنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم بعد سنتين من خلافة عمر كثر الطلاق بالثلاث، والطلاق الثلاث كما هو معروف من اتخاذ آيات الله هزواً، سواء قلنا إنه استعجال للبينونة كما هو مناط الحكم عند أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه، أو قلنا إنه مخالف لقوله تعالى (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) لأن تكرار الطلاق على المطلقة طلاق في العدة لا للعدة، فهو من اتخاذ آيات الله هزواً، فرأى عمر رضى الله عنه أن يلزم الناس بما يقتضيه لفظهم عقوبة لهم، لا تشريعاً، لأن الشرع انتهى بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه قال رضى الله عنه أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم وهذا دليل على أنه فعل ذلك اجتهاداً وعقوبة ً لأجل أن لا يتعجل الناس في هذا الأمر.