أم نشوى من المنطقة الشرقية تقول هي امرأة متزوجة من رجل من أقاربها يكبرها في السن وقد أنجبت منه الأبناء والبنات وهو يصلى ويصوم ولكنه أحياناً يرتكب بعض المحرمات التي تنسيه دينه وأهله فيترك كل شيء إضافة إلى سوء عشرته معهم في البيت وسوء أخلاقه فلا تعرف منه الكلمة الطيبة ولا السلام عندما يدخل البيت ولو كان غائباً عنه مدة أسبوع وقد جعلتها هذه الأمور تكرهه كثيراً وتتمنى أن يفارقها إلى الأبد أو يفارق الحياة وقد أخذ ابنها الأكبر يقلد أباه في فعل بعض المحرمات ولذلك فهي تكرهه أيضاً لتقليده أباه في فعل الحرام وعدم خوفه من الله فتدعو عليه بالموت لذلك فهي تسأل أولاً عن حكم الاستمرار في الحياة مع هذا الزوج وثانياً عن حكم الدعاء على الولد وهل في ذلك تفريق بين الأولاد في المعاملة لأن من أولادها من تحبهم وتعطف عليهم وثالثاً تريد أن تعمل عملية تمنع أن تحمل من هذا الرجل الخبيث كما تصفه فهي تكره أن تنجب منه زيادة خوفاً أن يسلكوا مسلكه ورابعاً إن هي فارقته فمع من يكون الأولاد فهي تخشى عليهم إن بقوا مع والدهم عليهم أن يؤثر عليهم ويفسد أخلاقهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال نوجه نصيحة إلى هذا الرجل إن كان ما قالته زوجته فيه صدقاً أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يرجع عما وصفته به زوجته حتى تستقر له الحياة وتطيب له فإن الله عز وجل وعد وعداً مؤكداً بأن من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن أن يحييه حياة طيبة قال الله عز وجل (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وإذا رجع إلى الله عز وجل وتاب إليه وأناب وحافظ على ما أوجب الله عليه سيجد لذة وطعماً للإيمان وانشراحاً لشعائر الإسلام وتطيب له الحياة ويكون كأنه ولد من حينه
ثم إن ما سألت عنه هذه المرأة من محاولة فراق زوجها أرى ألا تفارقه مادام لم يخرج عن الإسلام بذنوبه ولكن تصبر وتحتسب من أجل الأولاد وعدم تفرقهم وعليها أن تكرر النصيحة لزوجها فلعل الله سبحانه وتعالى أن يهديه على يديها
وأما الدعاء على ولدها بالموت فهذا خطأ ولا ينبغي للإنسان إذا رأى ضالاً يدعو عليه بالموت بل الذي ينبغي أن يحاول النصيحة معه بقدر الإمكان ويسأل الله عز وجل له الهداية فإن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى والقلوب بين أصبعين من أصابعه سبحانه وبحمده يقلبها كيف يشاء وكم من شيء أيس الإنسان من تصوره فيسر الله تعالى حصوله فلا تستبعدي أيتها المرأة أن يهدي الله سبحانه ولدك ادعي له بالهداية وكرري له النصح والله على كل شي قدير
وأما محاولتها أن تمتنع من الإنجاب منه فهذه نظرية خاطئة وذلك لأن الإنجاب أمر محبوب في الشريعة وكل ما كثرت الأمة كان ذلك أفضل وأكثر هيبة لها ولهذا امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بالكثرة حيث قال سبحانه وتعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وقال شعيب لقومه (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بتزوج الودود الولود لتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته يوم القيامة والأمة كلما كثرت قويت مادياً ومعنوياً كما هو ظاهر وهو على العكس من تصور بعض الظانين بالله ظن السوء الذين يظنون أن الكثرة توجب ضيق المعيشة وهؤلاء أساءوا الظن بالله عز وجل وخالفوا الواقع وقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وقال سبحانه وتعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) وأما الأمم التي ضاقت عليهم العيشة بكثرتهم إنما أتوا من حيث قلة اعتمادهم على الله عز وجل وتوكلهم عليه ولو أنهم توكلوا على الله وصدقوا بوعده ما ضاقت عليه المعيشة
وأما سؤالها الرابع عن أولادها ماذا يكونون لو فارقت زوجها فهذا أمره إلى المحكمة هي التي تبت في هذا الأمر وتنظر في الحال والواقع أي الأمرين أصلح أن يكونوا عند أبيهم أو عند أمهم.
فضيلة الشيخ: والمعتبر في هذا صلاح أمر الأولاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعتبر في هذا صلاح الأولاد لأن الحضانة إنما وجبت من أجل حماية الطفل وصيانته وإصلاحه ولهذا قال أهل العلم إن المحضون لا يقر بيد من لا يصونه ويصلحه ولو كان أحق من غيره من حيث الترتيب لأن المدار كما قلت على إصلاح الولد وصيانته عما يضره.