للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبر سماحتكم بأن وقعت نفسي في أحدى الشدائد أو بما يسمونها محنة تؤدي لقتل النفس وهذه المحنة ارتكبتها في عام ستة وسبعين وتسعمائة وألف لقد خافت والدتي خوفاً شديداً على نفسي من القتل ويومها ليس لدى والدتي أي سلطة أو وسيلة لحل مشكلتي فمن شدة خوفها علي جعلت في ذمتها صيام شهر ما عدا شهر رمضان من كل سنة تصوم شهر من عام ستة وسبعين تتابع صيامها حتى الآن وأنا الحمد لله رب العالمين لقد نجيت من هذه الشدة بسلام ووالدتي لقد تجاوز عمرها الأربعين سنة والآن أصبحت تصوم شهرين منهن شهر رمضان المبارك هذا فرض والثاني اليمين الذي في ذمتها من طرفي فما المبرر التي يبررها من صيام هذه أو هذا الشهر؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن نجيب على هذا السؤال نحب أن نبين لإخواننا المستمعين أن النذر مكروه بل إنه محرمٌ عند كثيرٍ من أهل العلم (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه) ولأن الإنسان يلزم نفسه بما لم يلزمه الله به ولأن الإنسان ربما لا يستطيع أن يفي بهذا النذر لعذرٍ حقيقي شرعي أو للتهاون فيكون في ذلك خطرٌ عظيمٌ عليه كما في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) وحصل لهم ما علقوا هذين الأمرين الصدقة والصلاح (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) يعني فلم يتصدقوا وتولوا وهم معرضون فلم يكونوا من الصالحين النتيجة والعقوبة (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في النذر (إنه لا يأتي بخيرٍ وإنما يستخرج به من البخيل) البخيل ببدنه إذا كان النذر عملاً بدنياً كصلاةٍ وصوم أو البخيل بماله فيما إذا كان النذر مالياً كالصدقة وشبهها وعلى كل حال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن النذر لا يأتي بخيرٍ وما لا يأتي بخيرٍ) فليس فيه خير ولهذا ننهى إخواننا أن يلجئوا عند الشدائد إلى النذور وإنما المطلوب من المسلم أن يلجأ عند الشدائد إلى الله سبحانه وتعالى ويسأله الفرج وإزالة الشدة ويعلم علماً يقينياً بأنه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً) والإنسان إذا نذر عند الشدة وأزيلت الشدة عنه فليس معنى ذلك أن سبب إزالتها هو النذر فالشدة لم تزل بالنذر لأننا لا نعلم أن النذر سببٌ لإزالة الشدة وإنما ابتلى الله سبحانه وتعالى المرء فأزال هذه الشدة عند النذر لا بالنذر وهذا كما يحصل حتى في فتنة عباد القبور الذين يعبدون القبر ويدعون صاحب القبر ربما يحصل مطلوبهم بعد الدعاء مباشرةً بعد دعاء صاحب القبر ليختبرهم الله بذلك ويبتليهم وإننا نعلم أن ما حصل لهم من المطلوب ليس من صاحب القبر ولكنه حصل عند دعائهم إياه وليس بدعائهم إياه على كل حال بعد هذه المقدمة نرجع إلى الجواب على هذا السؤال فأمه التي جعلت في ذمتها والذي يظهر أنها جعلت ذلك بصيغة النذر بأن نذرت أن تصوم في كل سنةٍ شهراً لإزالة هذه الشدة فإننا نقول لها يجب عليها أن تفي بنذرها لأن الصوم طاعةٌ لله سبحانه وتعالى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فيجب على المسلم إذا نذر طاعةً سواءٌ كان نذراً معلقاً على شرط كهذا النذر أو غير معلق يجب عليه أن يوفي بنذره إذا كان طاعةً لله عز وجل ونسأل الله أن يعينها على ما ألزمت به نفسها

<<  <  ج: ص:  >  >>