[هل تعتبر ركعتا تحية المسجد واجبة وإذا لم يصلها الشخص هل عليه إثم؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: تحية المسجد إذا دخل الإنسان المسجد وهو على وضوء سنة مؤكدة جداً فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين) وصح عنه أنه كان يخطب يوم الجمعة فدخل رجلٌ فجلس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أصليت قال لا قال قم فصل ركعتين وتجوز فيهما) يعني خفف والأصل في النهي التحريم والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليلٌ صارف عن ذلك ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في تحية المسجد هل هي واجبة أو سنة فأكثر أهل العلم على أنها سنةٌ وليست بواجبة وذهب بعضهم إلى أنها واجبة يأثم الإنسان بتركها وعلى القول بأنها سنة لا يأثم بتركها لأن السنن إذا فعلها الإنسان أثيب عليها وإن تركها لم يعاقب عليها والقول بالوجوب قولٌ قوي يقويه أن الأصل في النهي التحريم وأن الأصل في الأمر الوجوب ويقويه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته يوم الجمعة ليأمر هذا الرجل بالصلاة ويقويه أيضاً أن هذا الرجل أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتغل بالصلاة عن استماع الخطبة واستماع الخطبة واجب ولا يشتغل بشيء عن واجب إلا وهو واجبٌ مثله أو أوكد منه ولهذا نحن نحث إخواننا المسلمين على صلاة ركعتين إذا دخلوا المسجد وهم على طهارة قبل أن يجلسوا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولنهيه عن الجلوس قبل الصلاة ولا فرق في ذلك بين أن يدخل المسجد في وقت النهي أو في غير وقت النهي فإذا دخله في الضحى أو بعد الظهر أو بعد صلاة العشاء أو بعد صلاة المغرب فليصل قبل أن يجلس وكذلك إذا دخله بعد صلاة الفجر أو عند قيام الشمس في منتصف النهار أو بعد صلاة العصر فإنه لا يجلس حتى يصلى لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين) وهذا العموم لا شك أنه معارضٌ بعموم النهي عن الصلاة في أوقات النهي لكن هذا العموم محفوظٌ وأما أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي فإنها غير محفوظة أي إنها قد دخلها تخصيص والمعروف عند علماء الأصول أن العام المحفوظ مقدمٌ على العام المخصوص لأن تخصيص العام يدل على أن عمومه غير مراد فتضعف به إرادة العموم لكل الصور بخلاف العام المحفوظ الذي لم يخصص فإنه يدل على أن عمومه مراد وهكذا على القول الراجح كل صلاة نافلة لها سبب فإنها تفعل في أوقات النهي لأنها إذا فعلت في أوقات النهي فإنها تضاف إلى سببها المعلوم فيبعد فيها إيراد التشبه بالكفار الذين يسجدون للشمس إذا طلعت وإذا غربت.
قد يقول قائل لماذا لا نجزم بالقول بوجوب صلاة ركعتين لمن دخل المسجد على طهارة فنقول إننا لا نجزم بذلك لأن فيه شبهةً تمنع من هذا الجزم وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يوم الجمعة فإنه يصعد المنبر ولا يصلى ركعتين وهذا قد يقال إنه مخصص وقد يقال إنه ليس بمخصص لأن تقدمه إلى المنبر وصعوده إليه من أجل الخطبة التي هي مقدم صلاة الجمعة فهي من التوابع لا المستقلة.
على كل حال الذي أرى أن القول بالوجوب قويٌ جداً جداً ولكنني لا أتجاسر على القول بتأثيم من لم يصلِ ركعتين وليعلم أن من دخل المسجد الحرام من أجل أن يطوف فإن الطواف يغني عن الركعتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الحرام في عمرته وكذلك في حجه في طواف الإفاضة لم ينقل عنه أنه صلى ركعتين وقد اشتهر عند كثيرٍ من الناس أن تحية المسجد الحرام الطواف ولكن هذا ليس على إطلاقه فإن تحية المسجد الحرام الطواف لمن دخل ليطوف أما من دخل ليصلي أو ليقرأ أو ليستمع إلى ذكر أو ما أشبه ذلك فإن المسجد الحرام كغيره من المساجد تكون تحيته صلاة ركعتين.