للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه رسالة بعث بها المستمع محمد أحمد علي من الأردن عمان يقول ما مدى صحة الحديث الذي معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تضرب على رؤوسهم بالمعازف القينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) فإن كان هذا الحديث صحيحاً فما هو لفظه الصحيح كاملاً وهل الوعيد بالخسف والتحويل إلى خنازير وقردة قد يكون هذا في زمن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة مع أن الله قد رفع ذلك عن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إكراماً له؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح صححه ابن القيم وغيره رحمهم الله ولفظه (ليشربن أناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) وفي ولفظ (تضرب على رؤوسهم المعازف ويضرب على رؤوسهم بالمعازف) وهو حديثٌ صحيح ويشهد له أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه فيما ترجم عليه باب من يشرب الخمر ويسميها بغير اسمها ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أناساً يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها يقال إنها تسمى بالشراب الروحي وما أعظم هذا القول وأبطله وأكذبه فكيف يكون هذا الشراب المزيل للعقل المميت للقلب المبعد عن الرب كيف يكون شراباً روحياً ما هو إلا شرابٌ خبيث يفسد العقل ويفسد الدين ويفسد الفكر أيضاً ولهذا صاحبه المبتلى به والعياذ بالله لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال ولا ينشرح له صدر حتى يعود إليه مرةً أخرى فتجده دائماً في همٍ وقلق حتى يشرب ويدمن نسأل الله العافية والسلامة وشراب هذا شأنه كيف تصح تسميته بالشراب الروحي ما هو إلا شراب مدمرٌ للجسم والروح جميعاً وللعقل والفكر نسأل الله السلامة ولهذا حرمه الله على عباده تحريماً مؤكداً في قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وفي قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) يعني كونوا في جانبٍ وهو في جانب وهو أبلغ من قوله لا تشربوه لأن الاجتناب معناه التباعد عنه ثم قال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) يعني هل تنتهون عن ذلك بعد أن عرفتم هذه المضار العظيمة فيه ولهذا قال أهل العلم من أنكر تحريم الخمر وهو ممن عاش بين المسلمين لا يخفى عليه تحريمه فإنه يعتبر مرتداً كافراً بالله عز وجل يستتاب فإن تاب وأقر بتحريمه فإنه يرفع عنه القتل وإلا قتل كافراً مرتداً والعياذ بالله فالمهم أن هذا الحديث وقع مصداقه فقد شربت الخمر وسميت بغير اسمها وضرب بالمعازف والقينات على الرؤوس وأما قول القائل إنه كيف يكون ذلك وقد رفع الله هذا عن هذه الأمة فيقال إن الذي رفع عن هذه الأمة هو الإهلاك لسنةٍ بعامة بشيءٍ عام يستأصله وأما أن يختص بعضهم بعقوبة فإن هذا لم يرفع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام يعني في صلاة الجماعة أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار) وكذلك هنا ذكر في الحديث (أن الله تعالى يمسخهم قردةً وخنازير) وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك كلام الله عز وجل في القرآن يجب أن يؤخذ على ظاهره بدون تأويل إلا بدليلٍ شرعي أو عقلي أو حسيٍ ظاهر فهنا نقول إن هؤلاء يمكن أن يمسخوا قردةً وخنازير حقيقيين وما ذلك على الله بعزيز إن الله على كل شيء قدير إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون والذي قلب أهل القرية من بني إسرائيل قردةً قادرٌ على أن يقلب غيرهم من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وذهب بعض أهل العلم إلى أن القلب هنا قلبٌ معنوي خُلُقي بمعنى أن الله يجعل أخلاقهم أخلاق القردة والخنازير ولكن الأول أليق بظاهر اللفظ ونحن علينا أن نتبع ظاهر اللفظ وأن نخشى من هذه العقوبة المشينة والعياذ بالله أن يخرج الإنسان من أهله إنساناً ثم يرجع قرداً أو خنزيراً نسأل الله السلامة.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>