[مستمع رمز لاسمه بـ م. ج. ع. مقيم في الأردن للعمل يقول إذا تزوج رجل من فتاة تاركة للصلاة فلا بد أن يكونوا محافظين على الصلاة حتى يكون زواجهم على سنة الله ورسوله وسؤالي هنا بالنسبة لتجديد عقد الزواج هل هو العقد الكتابي الذي كتبه المأذون بالتاريخ القديم الذي تم تسجيله بسجلات الأحوال الشخصية بالسجل المدني أم عقد النكاح الذي يدور بين الزوج وولي الأمر والشهود ويكون بدون عقد كتابي خطي ويبقى العقد القديم كما هو أفيدونا مأجورين.]
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يقول فيه السائل إن هذا العقد الذي تم من مسلم على امرأة لا تصلى أو من شخص لا يصلى على امرأة تصلى عقد غير صحيح وصدق في أنه عقد غير صحيح ذلك لأنه بين مسلم وكافر والعقد بين مسلم وكافر غير صحيح إلا إذا كانت الزوجة من أهل الكتاب والرجل مسلم وإنما قلنا بين مسلم وكافر لأن تارك الصلاة كافر كفراً مخرج عن الملة على القول الراجح من أقوال أهل العلم بدلالة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والنظر الصحيح.
أما من كتاب الله فقد قال الله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) وجه الدلالة من الآية أن الله جعل الأخوة في الدين مشروطة بشروط ثلاثة أن يتوبوا من الشرك وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة ومن المعلوم أن ما علق على شروط فإنه لايتم إلا بوجودها وعلى هذا فالأخوة في الدين تنتفي إذا انتفى واحد من هذه الشروط والأخوة في الدين تثبت مع المعاصي ولو كانت كبيرة ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القصاص الذي لا يثبت إلا بقتل العمد (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) والقتل العمد من كبائر الذنوب قال الله تعالى فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) ومع هذا فالأخوة بين القاتل والمقتول ثابتة بنص هذه الآية وقال الله تعالى في الطائفة التي تصلح بين طائفتين من المؤمنين اقتتلوا قال الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) مع أن قتال المؤمنين بعضهم بعضاً من كبائر الذنوب بل قد أطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفر فقال (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) فلنرجع إلى الآية التي ذكرنا أنها دليل على كفر تارك الصلاة لنبين وجه دلالتها قال الله تعالى (فَإِنْ تَابُوا) أي من الشرك (وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) أي أتوا بها قائمة على الوجه المطلوب منهم (وَآتَوْا الزَّكَاةَ) أعطوها لمستحقيها فإذا اختل واحد من هذه الثلاثة فليسوا إخوة لنا في دين الله ويعني ذلك أنهم كافرون وإلا لكانوا إخوة لنا وإن عملوا معصية فإذا تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا وإن تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في ظاهر الآية الكريمة ولكن قد دلت السنة على أن من ترك الزكاة تهاوناً وبخلاً فإنه لا يكفر ولكنه يعذب بعذاب عظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وهذا الحديث يدل على أنه ليس بكافر لأن الكافر ليس له سبيل إلى الجنة فتبقى الآية دالة على أنه إن بقوا على كفرهم وشركهم فهم الكفار وإن لم يقيموا الصلاة فإنهم كفار.
وأما من السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله وقال صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر ومن المعلوم أن الحد يفصل بين المحدودين وأن المحدودين لا يدخل أحدهما في الآخر بل كل منهما منفرد بنفسه وهذا يدل على أنه لا إيمان مع تارك الصلاة.
وأما أقوال الصحابة فقد قال عمر رضي الله عنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة والحظ النصيب و (لا) هنا نافية للجنس فنفيها عام وشامل وإذا لم يكن للإنسان حظ في الإسلام لا قليل ولا كثير كان ذلك دليلاً على كفره لأنه لو كان فيه إيمان لكان له حظ من الإسلام بقدره وكذلك روي عن غير عمر من الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على كفر تارك الصلاة بل قد قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ونقل إجماع الصحابة عليه إسحاق بن راهويه أحد الأئمة المشهورين.
وكما أن هذا مقتضى دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة فهو أيضاً مقتضى النظر الصحيح فإنه لا يمكن لإنسان في قلبه أدنى حبة خردل من إيمان عَرَفَ عظم الصلاة وقدرها عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المسلمين عموماً وما يترتب على فعلها من الثواب وعلى تركها من العقاب لا يمكن لمن عرف ذلك وفي قلبه أدنى حبة خردل من إيمان أن يحافظ على تركها ويدعها لا يصلىها لا ليلاً ولا نهاراً لا في المسجد ولا في غيره وإذا كان هذا مقتضى الأدلة الأربعة التي أشرنا إليها الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح وهي أدلة سالمة من المعارض المقاوم لأن الأدلة المعارضة لها لا تخلو من أربع أحوال أما ألا يكون فيها دليلاً أصلاً على أن تارك الصلاة لا يكفر وأما أن تكون مقيدة بوصف يمتنع معه ترك الصلاة وأما تكون مقيدة بحال يعذر فيها بترك الصلاة وأما أن تكون عامة مخصوصة بأدلة كفر تارك الصلاة فهي إذاًَ أدلة غير مقاومة للأدلة المقتضية لكفر تارك الصلاة ومتى وجد الدليل قائماً وسالماً عن المعارض المقاوم وجب الأخذ به ومسألة التكفير بالفعل أو الترك مسألة لا يحكم فيها إلا الله ورسوله إذ أن التكفير حكم من أحكام الشريعة ليس للعباد فيه مدخل وإنما يقول به العباد بمقتضى فهمهم وعلمهم من نصوص الكتاب والسنة فإذا تبينت النصوص وجب علينا أن نقول بمقتضاها ولا يسوغ لنا أن نخالفها للوم لائم أو محاباة أحد من الناس بل علينا أن نقول بمقتضى ما دل عليه الكتاب والسنة ونحن لو قلنا بذلك فسوف يقوم الناس على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبناء على ما سبق فإذا تزوج رجل لا يصلى بامرأة مسلمة فإن الزواج غير صحيح وإذا تزوج رجل مسلم بامرأة لا تصلى فإن النكاح أيضاً غير صحيح ويجب إعادة العقد إذا تاب من ترك الصلاة ودخل في دين الله سواء أعيد العقد بمقتضى النظام المتبع وبأن يكون إعادته على يد مأذون معترف به أو أعيد العقد بحضور الولي والشهود وإن لم يكن عن طريق المأذون المهم أن يعاد العقد على وجه شرعي صحيح.