يقول السائل: إذا كان قضاء الله وقدره سابقاً على الإنسان بالسعادة أو الشقاوة فما حكم تركه الأخذ بالأسباب والعمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم ترك الأسباب والعمل سفه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدر الأشياء بأسبابها، فلحكمته جل وعلا صار لكل شيء سببٌ كل شيء يكون فإنه لابد له من سبب، إما معلوم لنا وإما مجهول لنا. وقد بين الله لنا أسباب السعادة وأسباب الشقاوة، وأمرنا بأن نعمل في أسباب السعادة، فقال جل وعلا:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال:(اعملوا فكل ميسر له لما خلق له) . ثم قرأ هذه الآية:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فهذا ما دل عليه الشرع: أنه لابد من الأخذ بالأسباب، وكذلك دل عليه العقل: فإن الإنسان لو قال: أنا لا أتزوج، ولكن إن كان الله قد كتب لي أولاداً فسيأتون، لعدَّه الناس من أسفه السفهاء. وكذلك لو قال: أنا لن أسعى لطلب الرزق، ولو قدر الله سبحانه وتعالى لي أن أشبع وأن أروى فسأشبع وأروى، لعد ذلك من أسفه السفه. فلابد من فعل الأسباب، ولا يتم التوكل ولا الاعتماد إلا بامتثال أمر الله عز وجل بفعل الأسباب النافعة التي تؤدي إلى المقصود.