السؤال: يقول في رسالته رجل قال لزوجته عندما اشتد بينهما الخصام اخرجي أو اذهبي أو إني بريء منك عند الغضب ينوي به الطلاق ثم عدل عن هذا ويقول بأن هذا عن جهل ولم يعلم بأن فيه تحريماً أو لغواً ودائماً يقول هذا مراراً ما حكم الشرع في هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن نجيب على سؤال السائل أحب أن أنبه على أنه ينبغي للسائل إذا وجه سؤالاً إلى عالم من العلماء أن يقيد مثل هذه الكلمة أعني قوله ما حكم الشرع فيقول ما حكم الشرع في رأيك أو في نظرك أو عندك أو ما أشبه ذلك وذلك لأن هذا العالم الذي يجيب بما يرى أنه هو الشرع قد يوافق الشرع وقد لا يوافقه كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) فإن هذا الحديث يدل على أن الإنسان المجتهد للوصول إلى حكم الله قد يصيب وقد يخطئ فإذا أخطأ فمقتضى ذلك أن يكون الخطأ في الشرع فأرجو الانتباه لمثل هذا.
وأما الجواب على سؤاله فإن هذا الرجل يقول إنه في حال الغضب والخصومة مع زوجته يقول لها اخرجي اذهبي وما أشبه ذلك من الكلمات يريد بها الطلاق وهو إذا قال ذلك مريداً به نية الطلاق فإن الطلاق يقع وذلك لأن الطلاق ليس له لفظ تعبدنا الشارع به بحيث لا نتجاوزه بل الطلاق هو فراق الزوجة وهو حاصل بأي لفظ كان إذا نواه الإنسان وعليه فنقول إن الطلاق يقع عليه بهذه الكلمات إذا كان نوى بها الطلاق لأنها كلمات تدل على الفراق وقد نواه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى) فهذه الكلمات تدل بلا شك على الفراق بنيته لأن اللفظ يحتمله، وقد قسم العلماء رحمهم الله ألفاظ الطلاق إلى قسمين صريح وكناية:
الصريح ما لا يحتمل سوى الطلاق مثل أنت طالق أو قد طلقتك أو أنت مطلقة أو ما أشبه ذلك.
والكناية ما يحتمل الطلاق وغيره وهذا لا يقع به الطلاق إلا إذا نواه لأنه لما كان محتملاً للطلاق وغيره فإننا لا نلزمه بشيء يكون فيه الاحتمال إلا إذا نوى أحد المحتملين فإذا نوى أحد المحتملين فله ما نوى للحديث الذي أشرنا إليه آنفاً.
وبالمناسبة أود أن أحذر إخواني المسلمين من الغضب لأن الغضب له آثار سيئة يندم عليها الإنسان حين لا ينفع الندم وقد ثبت في صحيح البخاري أن رجلاً قال يا رسول الله أوصني قال (لا تغضب) فردد مراراً قال (لا تغضب) فإذا أحس الإنسان بالغضب فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وإن كان قائماً فليقعد وإن كان قاعداً فليضطجع فإن اشتد به الغضب فليتوضأ فإن ذلك مما يزيله وكم من إنسان غضب فطلق زوجته أو غضب فضرب أولاده ضرباًَ مبرحاً أو غضب فأتلف شيئاً من ماله فحصل بذلك الندم حين لا ينفع الندم فعلى الإنسان أن يكون مالكاً لأعصابه قوياً في إرادته وعزيمته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) . ***