للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه رسالة وصلت من طالب بكلية الطب بمصر يقول هل اسقاط الجنين الذي علم عن طريق الأشعة بأنه مشوه خلقياً يعتبر حرام ومثال ذلك كأن يكون ناقصاً لعضو كساق أو غير ذلك مع العلم بأنه يمكن أن يعيش ولكن لم يكن ذلك سبباً يدعو لوفاته عقب ولادته مباشرة يقول هذا السائل لكن هناك حالات يكون الجنين ناقص لعضو هام وبالتالي فهو يتوفى عقب الولادة كأن يكون ناقصاً للمخ أو للقلب أو الرئتين أو غير ذلك من الأعضاء التي لا يمكن الحياة بدونها فهل إنزال مثل هذا الجنين وفي مثل هذه الحالة يعتبر حرام حتى لا تتعب الأم بإكمال الحمل مع العلم بأنه لن يعيش أفيدونا جزاكم الله خيرا.

فأجاب رحمه الله تعالى: إني أقول قبل الإجابة على هذا السؤال لقد كثر السؤال عن مثل هذه القضية أعني تشويه ما في بطون الأمهات وهذا لا شك أن له سبباً فالسبب الأول هو المعاصي التي تقع من الناس عموماً أو من هذه المرأة أو زوجها خصوصاً لأن كل مصيبةٍ وقعت فهي بسبب الذنوب قال الله تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وهذه جملة شرطية وأسماء الشرط تفيد العموم أي كل مصيبةٍ أصابتكم فإنها بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وقد يصاب الإنسان بالمصيبة مع استقامته ليرفع الله بذلك درجاته ويزيد في ثوابه لكن الأصل أن المصائب سببها الذنوب السبب الثاني أنه قيل إن استعمال الحبوب المانعة للحمل من أسباب تشوه الأجنة واستعمال الحبوب المانعة للحمل في عصرنا هذا كثير لأن النساء يردن الترف يردن أن لا يتعبن بالحمل يردن أن لا يتعبن بالحضانة يردن أن يبقين مستريحات ولا أدري أنَسَيْنَ ذكريات أمهاتهن اللاتي يعانين من مشقة الحمل ومشقة الوضع ما لا تعانيه النساء في هذا الوقت لوجود المخففات للآلام وغير ذلك فإذا صح ما أخبرت به من أن حبوب الحمل التي تستعمل لمنع الحمل تكون سبباً للتشويه فإن هذا يقتضي أن تمتنع النساء من أكل هذه الحبوب حتى ولو توالى عليهن الحمل بترك أكلهن فإن كثرة الولادة من نعم الله عز وجل على الإنسان وعلى الأمة وهو من الأمور التي يحبها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم المهم أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بأن نتزوج الودود الولود فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين السبب وبين المسبب فعلى كل حال نحن ننصح إخواتنا المسلمات عن استعمال حبوب منع الحمل ونقول إن كثرة الحمل من نعم الله عز وجل على الزوجين وعلى الأمة جميعاً ثم إن الإنسان إذا اعتمد على ربه وسأله المعونة أعانه الله في أعباء الحمل وفي أعباء الحضانة ويسر الله له الأمر أما ركون المرأة إلى الكسل والترف وأن لا تتعب بالحمل ولا بالوضع ولا بالحضانة فإن هذا نعتبره قصور نظر فعلى كل حال التشويهات في الأجنة كثر السؤال عنها وسبب هذه التشويهات فيما نراه هو ذلك السببان اللذان ذكرناهما فإذا تبين أن الجنين مشوه فإن كان قد بلغ أربعة أشهر ونفخت فيه الروح فإنه لا يجوز أبداً محاولة إسقاطه لأن هذا يؤدي إلى قتل نفسٍ محرمة وقتل النفس المحرمة من أكبر الكبائر حتى لو أدى ذلك إلى موت أمه فإنه لا يجوز إسقاطه في هذه الحال لأنه لا يجوز إتلاف نفسٍ لإحياء نفسٍ أخرى وأضرب مثلاً للسامع والمستمع برجلٍ اشتدت فيه الضرورة إلى الأكل ولم يجد إلا آدمياً معصوماً فهل يجوز أن يذبح هذا الآدمي المعصوم من أجل أن يُذهِب ضرورته كل الناس يقولون لا يجوز فكذلك هذا الجنين إذا نفخت فيه الروح فإنه لا يجوز إنزاله ليموت ولو أدى ذلك إلى موت أمه ببقائه في بطنها فإذا نفخت الروح في الجنين فلا يجوز إنزاله إنزالٌ يموت به مهما كانت الحال سواءٌ كان مشوهاً بعدم يدٍ أو عدم رجل أو عدم عضو أو عدم عين أو عدم أنف أو بأي حالٍ من الأحوال يبقى حتى يخرجه الله عز وجل ثم يفعل الله به ما يشاء وأما إذا كان ذلك قبل نفخ الروح فيه فينظر إذا كان التشويه يسيراً محتملاً كفقد أصبع من الأصابع مثلاً أو زيادة أصبع وما أشبه ذلك مما يمكن إزالته أو مما لا يعتبر شيئاً مروعاً فإنه لا ينزل ما دام قد كان مضغة وخلق وإن كان تشويهاً بالغاً كفقد عضوٍ كامل كفقد يدٍ أو رجل أو جمجمة أو ما أشبه ذلك فلا بأس من إنزاله حينئذٍ فإنه لم يكن نفساً حتى الآن كما يدل على ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الصادق المصدوق فقال (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقةً مثل ذلك ثم يكون مضغةً مثل ذلك) فهذه أربعة أشهر (ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وعمله وأجله وشقيٌ أو سعيد فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها) فبين في هذا الحديث الشريف أن الجنين تنفخ فيه الروح إذا تم له أربعة أشهر وعلى هذا فمتى تم له أربعة أشهر فإنه لا يجوز إنزاله إنزالاً يموت به على أي حالٍ كان.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>