[ماحكم رفع اليدين في الدعاء بعد كل صلاة هل يعتبر بدعة؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: رفع اليدين بالدعاء من أسباب إجابة الدعاء ومن آداب الدعاء كقول النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله حيي كريم يستحي من عبده إ ذا رفع يديه أن يردهما صفرا ً) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى الله يا رب يا رب وهذا يدل على أن رفع اليدين في الدعاء من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة، وعلى هذا فالأصل أنه يسن لكل من دعا الله عز وجل أن يرفع يديه إلا ما دل الدليل على خلافه، فمما دل الدليل على خلافه وأنه لا يرفع يديه في الدعاء، الدعاء في خطبة الجمعة فإن الدعاء في خطبة الجمعة لا ترفع فيه الأيدي لا من الإمام ولا من المستمعين للخطبة إلا في حال الاستسقاء فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه وهو يخطب يقول (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) اللهم أغثنا، ورفع الصحابة أيديهم معه، وكذلك في الاستصحاء فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه الرجل يشكو إليه أن المطر هدم البناء وأغرق المال رفع يديه صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس يوم الجمعة فقال (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) أما إذا دعا في خطبة الجمعة بغير ذلك فإنه لا يرفع يديه ولهذا أنكر الصحابة رضي الله عنهم على بشر بن مروان حين دعا في خطبة الجمعة ورفع يديه وقالوا قبح الله هاتين اليدين فنهوه عن ذلك، ومن المواضع التي لم يرد رفع اليدين فيها بل الظاهر فيها عدم الرفع الدعاء في الصلاة بين السجدتين والدعاء في الصلاة في آخر التشهد وأما دعاء القنوت فإنه ترفع فيه الأيدي لأن ذلك جاء عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وأما الدعاء بعد الصلاة فإننا نقول الأصل أنه لا دعاء بعد الصلاة وأن الدعاء إنما يكون قبل السلام، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر التشهد في حديث ابن مسعود رضى الله عنه قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء وليدع به) فالدعاء إنما يكون قبل أن تسلم ما دمت بين يدي الله عز وجل تناجي ربك فهذا أقرب إلى الإجابة مما لو دعوت بعد الانصراف من الصلاة، لأنه إذا انصرف الإنسان من صلاته انقطعت المناجاة بينه وبين ربه ولا شك أن دعاءه حال المناجاة لربه عز وجل أقرب إلى الإجابة من الدعاء بعد انقطاع المناجاة، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال إنما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين قال له (لا تدعنَّ أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك) قال إن هذا يكون قبل السلام في آخر الصلاة وقال إن المراد بدبر الصلاة آخرها، لأن دبر كل شيء منه ولهذا يقال دبر الحيوان لمؤخره منه، وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله من أن الدعاء إنما يكون قبل السلام في آخر الصلاة هو الأقرب، وبناء على ذلك نقول ما قيد بدبر الصلاة فإن كان ذكراً فمحله بعد السلام، وإن كان دعاء فمحله قبل السلام، فيكون حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه قبل السلام في آخر الصلاة لأنه دعاء، ويكون التسبيح والتحميد والتكبير المقيد بدبر الصلاة يكون بعد السلام لأنه ذكر، وقد قال الله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) فمحل الذكر بعد السلام فإذا ورد ذكر مقيد بدبر الصلاة فإنه يكون بعد السلام، ومحل الدعاء قبل السلام في آخر التشهد لحديث ابن عباس الذي ذكرناه آنفاً فيكون ما قيد بدبر الصلاة من الدعاء قبل السلام، أما ما يعتاده بعض الناس من كونهم إذا سلموا من صلاة الفريضة أو النافلة رفعوا أيديهم بصفة مستمرة فهذا بلا شك ليس من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخاذه قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه ويجعل هذا المكان موضعاً له على سبيل التقييد لا شك أنه بدعة وأنه ينبغي للإنسان أن يتجنبه، لكن لو دعا أحياناً ورفع يديه بعد النافلة أو بعد الفريضة فأرجو ألا يكون في ذلك بأس لأنه فرق بين الأمور الراتبة التي يجعلها الإنسان سنة يستمر فيها وبين الأمور العارضة، فالأمور العارضة قد يتسامح فيها بخلاف الأمور المستمرة الدائمة فلابد من ثبوت أنها سنة.