فأجاب رحمه الله تعالى: الكذب لا يجوز مازحاً ولا جاداً لأنه من الأخلاق الذميمة التي لا يتصف بها إلا أهل النفاق ومن المؤسف أننا نسمع كثيراً من بعض الناس أنهم يقسمون الكذب إلى قسمين كذبٍ أبيض وكذبٍ أسود فإذا ترتب على الكذب ضررٌ بأكل مالٍ أو اعتداءٍ أو ما أشبه ذلك فهو عندهم كذبٌ أسود وإذا لم يتضمن ذلك فهو عندهم كذبٌ أبيض وهذا تقسيمٌ باطل فالكذب كله أسود ولكن يزداد سواداً كلما ترتب عليه ضرر أعظم.
وبهذه المناسبة أحذر إخواني المسلمين مما يصنعه بعض السفهاء من كذبة إبريل هذه الكذبة التي تلقوها عن اليهود والنصارى والمجوس وأصحاب الكفر فهي مع كونها كذبٌ والكذب محرم شرعاً ففيها تشبه بغير المسلمين والتشبه بغير المسلمين محرم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقومٍ فهو منهم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إسناده جيد وأقل أحواله التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم وهي مع تضمنها لهذين المحظورين فيها إذلالٌ للمسلم أمام عدوه لأن من المعلوم بطبيعة البشر أن المقلد يفخر على من قلده ويرى أنه أقدر منه ولذلك ضعف مقلده حتى قلده فهي فيها إذلالٌ للمؤمن بكونه ذليلاً وتبعاً للكفار.
المحظور الرابع أن غالب هذه الكذبة الخبيثة تتضمن أكلاً للمال بالباطل أو ترويعاً للمسلم فإنه ربما يكذب فيكلم أهل البيت ويقول إن فلاناً يقول: ترى عندنا جماعة اليوم فيطبخون غداءً كثيراً ولحماً وما أشبه ذلك أو ربما يخبرهم بأمرٍ يروعهم كأن يقول قيّمكم دعسته سيارة وما أشبه ذلك من الأمور التي لا تجوز بدون أن تكون بهذه الحال فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يكون عزيزاً بدينه فخوراً به معجباً به لأجل أن يهابه أعداء المسلمين ويحترموه وأنا ضامن لكل من اعتز بدين الله أن يكون عزيزاً أمام الناس ولكل من ذل أمام أعدائه أن يكون أذل وأذل عند الله وعند أعدائه فلا تظن أيها المسلم أن متابعتك للكفار وأخذك أخلاقهم يعزك في نفوسهم بل إنه يذلك غاية الذل وأنت تعلم ذلك فأنت الآن لو أن أحداً اقتدى بك في أفعالك لرأيت لنفسك فخراً عليه ورأيت أنه ذل أمامك حيث كان مقلداً لك وهذا أمرٌ معلوم معروف بطبيعة البشر وكلما رأى أعداؤنا أننا أقوياء وأعزاء بديننا وأننا لا نبالي بهم ولا نعاملهم إلا بما يقتضيه شريعة الله التي هي شريعة كل العالم بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أهل النار) فإذا كان هذا في أهل الكتاب وهم أهل كتاب فما بالك بغيرهم من الكفار كل من سمع بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه فإنه من أهل النار فإذا كان كذلك فما بالنا نحن المسلمين نذل أنفسنا ونتبع غيرنا وكلنا يعلم ما جرى في محاورة هرقل عظيم الروم مع أبي سفيان وهو كافر حينما تحرز أبو سفيان أن يكذب في حق النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن تؤخذ عليه هذه الكذبة مع أنه يود أن يكذب في ضد صالح الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا كان هذا كافر فما بالك أيها المؤمن تكذب والله الموفق.