فأجاب رحمه الله تعالى: حكم إسبال الثياب للنساء لا بأس به لأنه ستر لأقدامهنّ وأما إسبال الثياب للرجال فإنه محرم بل هو من كبائر الذنوب ويقع الإسبال على وجهين:
أحدهما أن يكون للخيلاء والفخر والتعاظم فهذا جزاؤه أن الله تعالى لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم كررها ثلاثاً فقال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) والمسبل هو الذي يرخي ثوبه حتى يصل إلى الأرض فهذه العقوبة كما ترى عقوبة عظيمة شديدة.
أما الوجه الثاني فأن يقع الإسبال لا على وجه الفخر والخيلاء فعقوبته أهون لقول النبي عليه الصلاة والسلام (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي أن ما نزل من الكعبين فإن صاحبه يعذب عليه بالنار فيكون العذاب على قدر النازل من الثوب عن الكعبين وهذه العقوبة أهون من العقوبة الأولى ومن ثم نقول إنه لا يمكن أن يقيد هذا الحديث المطلق بالحديث السابق وهو من جر ثوبه خيلاء ذلك لأن العقوبتين مختلفتان وإذا اختلفت العقوبتان امتنع حمل أحد الحديثين على الآخر لأنه يلزم منه تكذيب أحداهما بالآخر عقوبة هذا كذا وعقوبة هذا كذا مع أن العمل واحد وبهذا نعرف أن ما يتعلل به بعض الناس إذا نهيته عن إسبال ثوبه أو سرواله أو مشلحه قال أنا لم أفعله خيلاء فهذا التعلل الذي يتعلل به لا وجه له وذلك لأن العقوبتين مختلفتان فلا يحمل أحدهما على الآخر وقد نص علماء الأصول رحمهم الله على أنه إذا اختلف الحكم فإنه لا يحمل المطلق على المقيد وضربوا لذلك مثلاً بطهارة التيمم وطاهرة الوضوء فالله سبحانه وتعالى قال في الوضوء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) وقيد الغسل بالمرافق وقال في التيمم (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولم يقيدها بالمرافق فكان موضع التيمم الكفين فقط أما الوضوء فموضعه الكفان والذراع والمرفق ولم يحمل المطلق في التيمم على المقيد في الوضوء وذلك لاختلاف الحكم بين الطهارتين وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يعرفها وهي أنه لا يحمل المطلق على المقيد مع اختلاف الحكم.