للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السؤال: يقول في حديث تحريم إسبال الثوب إلا لغير الخيلاء ما المقصود بالخيلاء؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: أولا قول السائل تحريم إسبال الثوب إلا لغير الخيلاء هذا غلط فإن إسبال الثوب محرم سواء كان لخيلاء أو لغير خيلاء لكن إن كان للخيلاء فإن وعيده شديد جدا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قالوا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وهذا وعيد عظيم وأما الإسبال بدون خيلاء فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما أسفل من الكعبين ففي النار) فهو يعذب بالنار عذابا جزئيا على قدر ما حصل منه من المعصية والفرق بين الوعيدين عظيم فيكون قول السائل إذا لم يكن خيلاء يكون غلطا بل نقول إنه إذا أسبل فقد أتى منكرا وكبيرة من كبائر الذنوب لكن تختلف العقوبة فيما إذا كان ذلك خيلاء أو غير خيلاء والخيلاء معناه التكبر والتعاظم أن الإنسان يفعل ذلك تكبرا وتعاظما وفخرا وما أشبه ذلك من المعاني.

(ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم وله عذابٌ عظيم قالها ثلاثاً وأبو ذر يقول خابوا وخسروا من هم يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكذب) وفي حديث ابن عمر (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فيكون حديث ابن عمر موافقاً لحديث أبي ذر ويكون المسبل أي خيلاء فإذا جر الإنسان ثوبه خيلاء فإن الله تعالى لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذابٌ عظيم أما إذا صنعه لغير الخيلاء وإنما هو للعادة فإنما أسفل من الكعبين ففي النار لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) فيكون حراماً لكن ليست له العقوبة التي يعاقب بها من جر ثوبه خيلاء لأن هذا (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) يكون التعذيب بالنار على ما نزل من الكعبين فقط يكوى به ويعذب به في النار ولا تعجب أن يكون العذاب بالنار بجزءٍ من البدن فهذا ثابت في الحديث الصحيح حديث أبي هريرة (ويلٌ للأعقاب من النار) في قومٍ توضؤوا وقصروا في غسل أرجلهم فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته (ويلٌ للأعقاب من النار، ويلٌ للأعقاب من النار) فهنا العقوبة على محل التقصير فقط وهي الأعقاب كذلك (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) العقوبة على ما حصل فيه التعدي وهو ما تحت الكعبين فقط على هذا نقول ما نزل عن الكعبين من الثياب فهو حرامٌ سواءٌ صنعه الإنسان خيلاء أو لعادةٍ بين الناس وهذه العادة يجب أن يبتعد عنها لأن العادة إذا خالفت الشرع فهي عادةٌ باطلة يجب على المرء أن يتجنبها.

وأما بالنسبة لصحة الصلاة فإن هذه المسألة مبنية على أصلٍ مختلفٍ فيه وهو هل من شرط صحة الصلاة أن يكون الساتر مباحاً أولا, فمن العلماء من قال إنه يشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً وأن الرجل إن صلى في ثوبٍ محرمٍ عليه بطلت صلاته وعلى هذا فإذا صلى في ثوبٍ خيلاء فصلاته باطلة وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وفيه حديثٌ تكلم العلماء فيه من حيث الصحة ومن العلماء من يقول إنه لا يشترط في الساتر أن يكون مباحاً بل يحصل الستر بالثوب المحرم لأن حقيقة الستر حصلت وكون الثوب محرماً لا يمنع من الستر به وإنما يأثم الإنسان به وعلى هذا فتصح الصلاة بالثوب وإن كان خيلاء وعلى كل حال المسألة يجب على المسلم ألا يكون نظره من زاويةٍ واحدة هل تصح الصلاة أو لا تصح بل يجب أن ينظر من الناحيتين فنقول هذا ثوبٌ محرم والواجب على المسلم أن يتجنبه في صلاته وغير صلاته وهذا كما هو معروف بالنسبة للرجال أما النساء فالمشروع في حقهن أن يسترن أقدامهن بثيابهن.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>