للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السائل أحمد إسماعيل من الخرج يقول ما مقدار المسافة التي تقصر بها الصلاة وما هي الأسباب التي تجعل المصلى لا يخشع في الصلاة؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال من فقرتين:

الفقرة الأولى عن المسافة التي تقصر فيها الصلاة والمسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلف فيها العلماء من محدثين وفقهاء وعامة أهل العلم على أنها ستة عشر فرسخا أي ما يقارب اثنين وثمانين كيلو ومن العلماء من ذهب إلى أن السفر الذي تقصر فيه الصلاة ليس له حد في الشرع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه حدد ذلك لأمته فتحديده توقيف أي موقوف على ما ورد الشرع به وإذا لم يرد الشرع به كان مرجعه إلى العرف فما تعارف الناس على أنه سفر فهو سفر وما تعارف الناس على أنه ليس بسفر فليس بسفر فإن القاعدة أن كل ما جاء بالشرع غير محددا شرعا فإنه يرجع فيه إلى العرف وعلى هذا قول الناظم:

وكل ما أتى ولم يحدد في الشرع كالحرز فبالعرف احدد

وهذا الأخير اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وعلى هذا فإذا خرج الإنسان نحو عشرين كيلو ومكث هناك مكوثا يحمل من أجله الزاد والمزاد وتهيأ الراحلة فإنه يعتبر سفرا وأما إذا خرج إلى مثل هذه المسافة ورجع عن قرب كأن يكون مدعوا لوليمة أو نحوها ثم يرجع فإن هذا ليس بمسافر وهذا هو الذي تميل إليه النفس إلا أنه يشكل عليه أنه غير منضبط بخلاف القول الأول الذي يحدد المسافة بشيء معين فإنه يكون منضبطا وأقرب إلى فهم الناس فمن أخذ به فلا حرج عليه إن شاء الله.

الفقرة الثانية في السؤال ما الذي يعين على الخشوع في الصلاة أكبر معين على الخشوع في الصلاة أن يشعر الإنسان أنه إذا وقف يصلى أنه يناجي الله عز وجل يخاطبه وأن الله سبحانه وتعالى يرد عليه هذه المناجاة كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: قال الله تعالى (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فإذا شعر الإنسان بهذا الشعور فلا بد أن يستحضر ما يقوله ويفعله في صلاته لأنه بين يدي الله عز وجل الذي يعلم ما في قلبه ويعلم ما توسوس به نفسه ومما يعين على ذلك ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإذا أحس الوساوس والهواجس تفل عن يساره ثلاث مرات واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم فإن ذلك يذهب بإذن الله ولكن إذا كان الإنسان في جماعة فماذا يصنع كيف يتفل عن يساره ثلاث مرات نقول يكفي أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بدون تفل لكي لا تؤذي من حولك ومما يعين على ذلك أن يتفرغ الإنسان للصلاة بحيث لا يكون عنده شاغل يشغله كاحتباس بول أو غائط أو فضول طعام يشتهيه أو ما أشبه ذلك لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) ومما يعين على ذلك البعد عما يكون به التشويش والإشغال بأن يبتعد عن الضوضاء وعن المتحدثين وعن الدارسين بصوت مرتفع وما أشبه ذلك ومن هنا ننطلق إلى مسألة مهمة وهي أن بعض الناس يكون في المسجد يقرأ القرآن وله صوت رخيم مرتفع يترنم بالقرآن وحوله من يصلون فيشوش عليهم ويشغلهم عن صلاتهم وهذا مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث رأى أصحابه في المسجد يصلون ويجهرون فقال صلى الله عليه وآله وسلم (لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) أو قال في القراءة وفي حديث آخر (لا يؤذين بعضكم بعضا) فجعله أذية وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن المصلي يتأذى في مثل هذه الحال ويشوش عليه ما يسمعه من أخيه القارئ فعلى القارئ أن يخفض صوته في مثل هذه الحال لكي لا يشوش على إخوانه فيفسد عليهم صلاتهم وننطلق أيضا انطلاقة أخرى إلى ما يفعله بعض الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية من رفع الصلاة في مكبرات الصوت في المآذن فإن هذا يحصل به من التشويش ما قد شكى منه كثير من الناس حتى إن بعض المساجد إذا كانت قريبة وكانت الريح منصرفة إلى مسجد آخر أو متجهة إلى مسجد آخر ينشغل أهل المسجد الآخر بقراءة إمام المسجد الثاني عن استماعهم لقراءة إمامهم لاسيما إذا كانت قراءته جيده وصوته حسنا فإن الناس ينشغلون به كثيرا حتى سمعت أن بعض الناس أمن على قراءة الفاتحة دون إمامه ولا شك أنه يشغل المصلين إذا سجدوا وإذا ركعوا وهم يستمعون إلى قراءته من خلال مكبر الصوت على المآذن ومن المعلوم إن هذا ليس فيه مصلحة في الحقيقة أصلا وفيه هذه الأذية والإنسان العاقل لا يفعل شيئا إلا إذا كانت مصلحته خالصة لا مفسدة فيها أو راجحة على مفسدته أما ما هو لا مصلحة فيه وفيه الأذية فإن العاقل لا يفعله لاسيما وأنه يبلغه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (نهى أصحابه أن يجهر بعضهم على بعض في القراءة) ثم إنه أعني رفع الصوت من المئذنة بمكبر الصوت قد يؤذي حتى جيران المسجد قد يكون جار المسجد مشتغلا بورد خاص له أو بقراءة أو بمراجعة مسألة شرعية أو أي من مسائل العلم النافع فيشوش عليه هذا تشويشا بالغا وقد يكون مريضا يحتاج إلى الراحة والنوم حينما صلى الفجر فإذا أخذ في النوم وسمع هذا الصوت طار عنه النوم وعلى كل حال فهذه المسألة أعني رفع الصوت من المئذنة بالصلاة صاحبها لا يكون غانما لأنه لا يترتب عليه شي من المصلحة فيما نعلم بل هو إما سالم وإما آثم بما يحصل من أذية إخوانه فنصيحتي لإخواني أن يقتصروا على الأقل على إقامة الصلاة في المئذنة وأن يدعوا نقل الصلاة من فوق رؤوس المآذن وأنا حينما أقول هذا لست أنكر استعمال المكبر في الصلاة لكنني أقول احذروا الأذية لإخوانكم أما استعمال المكبر في الصلاة فهذا إذا دعت الحاجة إليه بدون أذية كما لو كان المسجد كبيرا والجماعة كبيرة فهذا لا بأس به وقد نقول إنه مستحسن أما إذا لم يكن له داعٍ فتركه أولى حتى في داخل المسجد لأن اعتياد الإنسان أن لا يتلذذ بالقرآن إلا بواسطة هذا الصوت المنقول على هذا المكبر فيه شيء من النظر لذلك ينبغي للإنسان في هذه الأمور وغيرها أن يتدبر ويتأمل ويقارن بين المصالح والمفاسد ويتبع ما يكون أرضى لله وأبعد عن إيذاء عباد الله ثم إنه قد شكي إلينا شيء أقل من ذلك ضررا وهو إقامة الصلاة من على المئذنة بمكبر الصوت فقالوا إن أولادنا ينتظرون حتى يسمعوا الإقامة ثم يقومون ويتوضؤون ويذهبون بسرعة وربما يفوتهم شيء من الصلاة أو كل الصلاة وربما يؤدون الوضوء من غير إسباغ وشكوا ذلك من أجل القول بمنع نقل الإقامة من على المئذنة ولكن في نفسي من هذا شيئا لأن سماع الإقامة من المسجد أمر وارد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهذا يدل على أنه لا حرج من أن تسمع الإقامة من خارج المسجد.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>