[المستمع يقول ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قنت في صلاة الفرض المغرب أو العشاء أو في الفجر مع أنه في الآونة الأخيرة بدأ أئمة المساجد عندنا يقنتون في صلاة المغرب والعشاء والفجر أرجو التكرم بذكر الأدلة وهل هناك أحاديث صحيحة بارك الله فيكم؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: القنوت في الفرائض لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أحوال مخصوصة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعوا على رعل وذكوان الذين قتلوا القراء السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه وقنت صلى الله عليه وسلم لإنجاء الله المستضعفين من المؤمنين في مكة حتى قدموا ثم تركه وكان صلى الله عليه وسلم يقنت في مثل هذه الأحوال ولكن ظاهر السنة أنه يقنت في المغرب والفجر فقط أما فقهاء الحنابلة فقالوا إنه يقنت إذا نزلت بالمسلمين نازلة في جميع الفرائض ما عدا صلاة الجمعة وعللوا ذلك أعني ترك القنوت في صلاة الجمعة لأنه يكفي الدعاء الذي يدعو به في الخطبة إلا أن فقهاء الحنابلة رحمهم الله يقولون في المشهور من مذهب الإمام أحمد إن القنوت خاص بإمام المسلمين دون غيره إلا من وكل إليه الإمام ذلك فإنه يقنت يعني أنهم لا يرون أن القنوت لكل إمام مسجد ولا لكل مصلٍ وحده لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما قنت ولم يأمر أمته بالقنوت ولم يرد أن مساجد المدينة كانت تقنت في ذلك الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت فيه ولكن القول الراجح أنه يقنت الإمام الأعظم الذي هو رئيس الدولة وملك الدولة ويقنت أيضاً غيره من أئمة المساجد وكذلك من المصلىن وحدهم إلا أني أُحب أن يكون الأمر منضبطاً بحيث لا يصلح لكل واحد من الناس أن يقوم فيقنت بمجرد أن يرى أن هذه نازلة وهي قد تكون نازلة في نظره دون حقيقة الواقع فإذا ضبط الأمر وتبين أن هذه نازلة حقيقية تستحق أن يقنت المسلمون لها ليشعر المسلمين بأن المسلمين في كل مكان أمة واحدة يتألم المسلم لأخيه ولو كان بعيداً عنه ففي هذه الحال نقول إنه يقنت كل إمام وكل مصلٍ ولو وحده وأما عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فإن فعله عليه الصلاة والسلام سنة يقتدى بها ونحن مأمورون بالتأسي به قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)(الأحزاب:٢١) فإذا فعل فعلاً يتعبد به لله عز وجل فإننا مأمورون أن نفعل مثل فعله بمقتضى هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات الدالة على أنه إمامنا وقدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم لكن المهم عندي أن تكون الأمور منضبطة وألا يذهب كل إنسان برأيه بدون مشاورة أهل العلم ومن لهم النظر في هذه الأمور لأن الشيء إذا كان فوضى كل يأخذ برأيه تذبذب الناس واشتبه الأمر على العامة وصاروا يقولون من نتبع ومن نأخذ برأيه لكن إذا ضبط وصار له جهة معينة تستشار في هذا الأمر كان هذا أحسن هذا بالنسبة للأمر المعلن الذي يكون من أئمة المساجد مثلاً أما الشيء الخاص الذي يفعله الإنسان في نفسه فهذا أمر يرجع إلى اجتهاده فمتى رأى أن في المسلمين نازلة تستحق أن يقنت لها فليقنت ولا حرج عليه في ذلك والرسول عليه الصلاة والسلام مثل المسلمين بالجسد الواحد فقال صلى الله عليه وسلم (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) والحاصل أن القنوت في الفرائض غير مشروع لا في الفجر ولا في غيرها إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة تستحق القنوت لها فيشرع القنوت لكل مصلٍ في المغرب وفي الفجر وإن قنت في جميع الصلوات فإن هذا لا بأس به كما يراه بعض أهل العلم فإذا انجلت هذه النازلة توقف عن القنوت وأهم شيء عندي في مثل هذه الأمور أن يكون الأمر منضبطاً بحيث لا يكون فوضى وأن يرجع في ذلك لأهل الرأي في هذه الأشياء وهم أهل العلم.