للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[في بعض أسفاري أجمع جمع التقديم أثناء السفر مع غلبة الظن بأنني أصل مبكرا حتى أرتاح وأنام إذا وصلت؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء مادام الإنسان في السفر فإن له أن يترخص برخص السفر إلى أن يصل إلى بلده فإذا دخل عليه وقت الصلاة الأولى وهو في السفر وأراد أن يجمع الثانية إليها فلا حرج عليه في ذلك لوجود سبب الجمع لكن الأفضل إذا كان يعلم أنه سيصل إلى البلد قبل دخول وقت الثانية أن لا يجمع لأن الجمع في هذه الحال لا حاجة له وأصل جواز الجمع مبني على المشقة لا على السفر ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يجمع إلا إذا جد به السير وربما جمع وهو نازل ولهذا يجوز الجمع في الحضر إذا دعت الحاجة إليه لقول ابن عباس رضي الله عنهما جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر قالوا ما أراد إلى ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته وهذا دليل على أن الأصل في مشروعية الجمع هو دفع الحرج والمشقة وعلى هذا فمتى وجد الحرج والمشقة في ترك الجمع جاز الجمع ومتى انتفى الحرج والمشقة في ترك الجمع فإنه لا جمع وبهذا نعرف ما يفعله بعض الأئمة من التسرع في الجمع وقت المطر في الحضر حيث يجمعون بأدنى مطر وإن لم يكن فيه مشقة وإن لم يكن في ترك الجمع حرج وهذا خلاف ما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما فإن ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل ما أراد إلى ذلك أي في جمعه بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء وهو في الحضر قال أراد أن لا يحرج أمته ولم يقل أراد أن يبين أن الجمع جائز بكل حال بل بين أنه أراد انتفاء الحرج عن الأمة وهذا يدل على أنه لا يجوز الجمع إلا إذا وجد الحرج في تركه ووجه ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء: من الآية١٠٣) أي محدداً بوقت وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوقات الصلوات كل صلاة في وقتها المحدد فصلاة الفجر من طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس وصلاة الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله وصلاة العصر من ذلك الوقت إلى أن تصفر الشمس هذا الوقت المختار وإلى أن تغرب الشمس للضرورة ووقت المغرب من غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأحمر ووقت العشاء من ذلك الوقت إلى نصف الليل هكذا جاءت السنة بتحديد الأوقات فمن صلى الصلاة قبل وقتها فصلاته مردودة ومن صلاها بعد الوقت بلا عذر فصلاته مردودة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فإذا تبين أنه لابد أن تصلى الصلاة في وقتها المحدود شرعا فإنه لا يجوز إخراجها عن وقتها بجمعها إلى ما بعدها أو فعلها قبل وقتها بضمها إلى ما قبلها إلا لعذر شرعي يبيح الجمع والعذر الشرعي هو ما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما في قوله أراد أن لا يحرج أمته وهذا واضح لمن تأمله ولذلك أنصح إخواني أئمة المساجد وغيرهم أن لا يتسرعوا إلى الجمع بين الصلاتين بدون سبب شرعي يبيح ذلك الجمع لأنهم يعرضون أنفسهم لفساد الصلاة وللعقوبة من الله عز وجل.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>