فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال هكذا نقول: لا، ما فيه بدعة حسنة ولا سيئة، كيف يمكن أن نقول هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(كل بدعةٍ ضلالة) ؟ ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالبدع، وأنه أنصح الخلق للخلق، وأنه أفصح الخلق فيما يقول، فيكف يقول:(كل بدعةٍ ضلالة) بهذا التعبير العام الشامل ثم نقول: من البدع ما هو حسن ومن البدع ما هو قبيح؟ ولكننا نقول: كل بدعة إذا ظنها الإنسان حسنة فإما أن لا تكون بدعة وهو يظن أنها بدعة، وإما أن لا تكون حسنة وهو يظن أنها حسنة، فيكون خطأ إما في الأصل وإما في الحكم. يعني: إما أن تكون غير بدعة وهو يظن أنها بدعة وقال: إنها حسنة، وإما أن تكون بدعة وظنها هو حسنة وليست بحسنة. فأصحاب الطرق الذين ابتدعوا في الأذكار ما لم يشرعه الله ورسوله، هؤلاء يظنون أنها حسنة ويقولون: إنها بدعة حسنة، فنقول له: لا والله ليست بدعة حسنة، بل ما دمتم اعترفتم بأنها بدعة يجب أن تعترفوا بأنها ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن قال قائل: ألم يصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يجمعا الناس في رمضان على إمامٍ واحد، وأمر أبياً وتميماً الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة؟ فالجواب: بلى أمرهم بذلك، وخرج ذات ليلة والناس يصلون على إمامٍ واحدٍ فقال:(نعمت البدعة هذه) فأثنى على هذه البدعة. فالجواب: أن هذه البدعة ليست بدعةً في الواقع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت عنه أنه صلى بالناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تخلف وقال: خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. إذاً فصلاة قيام رمضان جماعة سنة، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تركها خوفاً من أن تفرض على الأمة فتعجز عنها، وبعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زال هذا الخوف ولا يمكن بعده تشريع، لكن بقي الناس في عهد أبي بكر رضي الله عنه يصلون فرادى ومثنى وثلاث ورباع، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى أن يجمعهم على إمامٍ واحد وقال:(نعمت البدعة) يعني: باعتبار ما سبقها، حيث إن الناس تركوا الجماعة في قيام رمضان ثم استؤنفت الجماعة، فهي بدعة بالنسبة لما سبقها من تركها، وليست بدعةً مستقلة لم تكن مشروعة من قبل. هذا من وجه، من وجهٍ آخر أنه- وإن سماها بدعة رضي الله عنه- فهي من سنته، وسنة الخلفاء الراشدين متبعة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) . لكن الوجه الأول هو الجواب الذي لا محيد عنه، وهو: أن عمر سماها بدعة باعتبار ترك الناس لها ثم العودة إليها.