يقول يا فضيلة الشيخ نحن من سكان إحدى القرى ولسكان هذه القرية عادات وتقاليد لا زالت موجودة حتى الآن وهي أنه عندما يقدم شخص على الزواج يطلب منه ولي المرأة مبلغاً في حدود مائة ألف ريال أو سبعين ألف ريال تكون له وليس لابنته وتعطى الأم من عشرين إلى خمسين ألف ريال هذا إلى جانب أموال الذهب وتحدد بحوالي ستين إلى ثمانين ألف ريال والأقمشة والمواد الغذائية والأغنام يعني يتكلف الزواج حوالي مائتين إلى ثلاثمائة ألف ريال ونحن لا نرضى بهذا الحال وإذا نصحناهم قالوا هذا لا بد من أن نبيض وجوهنا أمام الناس بكثرة الجهاز ونود منكم يا فضيلة الشيخ أن تقدموا النصح مشكورين لهؤلاء الناس وتوجهوهم إلى الطريق الصحيح مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لا شك أن المغالاة في مهور النساء خلاف السنة وأن السنة في المهور تخفيفها وكلما كان النكاح أيسر مؤونة كان أعظم بركة والمغالاة في مهور النساء نهى عنها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال رضي الله عنه (يا أيها الناس لا تغلو في صُدُق النساء -يعني مهورهن- فإنه لو كان ذلك مكرمة أو تقوى لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولا شك أن تخفيف المهر من أسباب العشرة الطيبة وذلك لأن الزوج إذا كان المهر كثيراً كان كلما تذكره صارت المرأة مكروهة عنده وندم على ماصنع من المغالاة في المهر وأما إذا كان المهر يسيراً فإنه لن يتجرع مرارة هذا المهر ولا شك أيضاً أنه إذا كان المهر كثيراً فإن هذا من أسباب الإضرار بالزوجة لأن الرجل إذا أصدقها مهراً كثيراً ولم تكن العشرة بينهما جيدة فإنه سوف يبقيها على هذه العشرة السيئة ولا تكاد تنفك منه لأنه قد خسر عليها مالاً كثيراً فتجده يمسكها مع الإضرار بها ومع سوء المعاشرة لكثرة المهر الذي بذله في الحصول عليها لكن لو كان المهر يسيراً ولم تكن العشرة بينهم جيدة فإنه يسهل عليه إذا لم يمكن إصلاح الحال أن يفارقها ويتزوج أخرى لذلك أنصح هؤلاء الذين ذكرهم السائل وأمثالهم عن المغالاة في المهور وكثرتها وأقول لهم إن الإنسان ليس يزوج الدراهم إنما يزوج الرجال وكثرة الدراهم لا تفيده في النكاح شيئاً من قوة المحبة أو عشرة حسنة بل قد تكون بالعكس وأنصح أيضاً هؤلاء وأمثالهم عن عدم أخذ شيء من مهر المرأة لأن المهر حق الزوجة وليس حقاً لأبيها ولا أمها لقوله تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فأضاف الله سبحانه وتعالى المهر إلى المرأة نفسها وبين أنها هي التي تتصرف فيها لقوله (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) نعم لو فرض أنه بعد أن تم العقد وسلم المهر أهدت البنت إلى أبيها أو أمها أو أختها أو خالها أو خالتها أو عمتها شيئاًَ فهذا لا بأس به وأما أن يشرط ذلك على الزوج عند القبول فإن هذا لا يجوز.
فضيلة الشيخ: قولهم " نريد أن نبيض وجوهنا أمام الناس" هذه العبارة أيضاً نريد التعليق عليها؟ !
فأجاب رحمه الله تعالى: وهذه العبارة قولهم نريد أن نبيض وجوهنا عند الناس هي في الحقيقة تنم عن ضعف الشخصية وعدم مجابهة الناس بما هو أفضل والذي ينبغي للإنسان أن يبيض وجهه باتباع ما هو أفضل وأنفع للخلق ولو أن الناس تجاروا في هذه الأمور لكانت لا منتهى لها ولا غاية لها وتبيض الوجه حقيقة هو أن يقوم الإنسان بما تقتضيه السنة من تخفيف المهر حتى يقتدي الناس به ومن المعلوم لكل أحد أن هؤلاء الذين يبذلون مهوراً كثيرة لا يريدون ذلك ولكنهم شبه مكرهين عليها فلو أن رؤساء القبائل أو البلد قاموا بتخفيف المهور لبيضوا وجوههم وكان ذلك لهم مثوبة عند الله عز وجل وسنوا سنة حسنة يتبعهم الناس عليها فأرى أن أوجه الأمر والنصيحة إلى كبراء القوم من رؤساء القبائل والعشائر وكذلك أهل المدن بأن يتولى الكبراء منهم والشرفاء هذا الأمر فيخففوا من المهور حتى يكونوا قدوة صالحة يتبعهم الناس فيها ومن دل على خير فهو كفاعله ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.