جزاكم الله خيرا هذه السائلة ع. ع. من الكويت الصباحية تقول إنها مصابة بالوساوس في الطهارة والحدث في الصلاة فأما بالنسبة للطهارة فتقول إنني أتشدد في غسل كل شيء يقع عليه بول الأطفال لأنها أم لثلاثة أطفال ودائماً أو كثيراً ما تتعرض للنجاسة حيث أنهم يبولون على السجاد أو على ملابسهم وعند ما تغسل ملابسهم النجسة تقع نقط من الماء على ملابسها فأصبحت لا تطيق النجاسة وتتضايق كثيراً عندما ترى أحد أطفالها قد بال على شيء أو بال في ملابسه وأصبحت تشك في كل شيء يلمسه الأطفال كمقبض الباب أو الطاولات أو السجاد وملابسهم ونحو ذلك فتقول أرجو أن تجدوا لي حلا لهذه الوساوس لأنني قد وصلت إلى درجة أنني أصبحت أتثاقل عن أداء الصلوات وأحسب لها ألف حساب فإذا بال الطفل على السجاد فكيف يمكن تطهيره وأقصد بالسجاد الذي يفرش في الغرف فلا يمكن نقله وكم يكفي من الماء لتطهيره وإذا وطئت بقدمي السجاد وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موقعها وأشتبه علينا فكيف يمكن تطهير السجاد الذي لا يمكن نقله وكم يكفي من الماء لتطهيره وكذلك كيف يطهر الطفل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هاتين المسألتين الفرعيتين نجيب عن أصل الداء أصل الداء وهو الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم والشيطان كما قال الله عز وجل (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) وهو حريص على كل ما يقلق الإنسان ويحول بينه وبين السعادة في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) فالشيطان حريص على فساد ابن آدم والإفساد عليه في دينه ودنياه وهذه الوساوس التي تقع لبعض بني آدم سواء كانت وساوس في العقيدة فيما يتعلق بالرب جل وعلا أو فيما يتعلق بالرسول صلى الله وسلم أو فيما يتعلق بالإسلام عموما أو في مسألة من مسائل الدين كالصلاة والوضوء والطهارة وما أشبه ذلك ودواء ذلك كله ما أرشد الله إليه وأرشد إليه رسوله صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) و (قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل شكا إليه أن الشيطان يحول بينه وبين صلاته أن يقول إذا أحس به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فدواء هذا الداء الذي نسأل الله تعالى أن يعافينا وإخواننا المسلمين منه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يدعه وأن يلهو عنه وألا يلتفت إليه مطلقا حتى لو وسوس له الشيطان بنجاسة شيء أو بالحدث وهو لم يتيقن ذلك فلا يلتفت إليه وإذا داوم على تركه والغفلة عنه وعدم الألتفات إليه فإنه يزول بحول الله أما المسألتان فهما أولا إذا بال الصبي على فراش لا يمكن نزعه كالفرش الكبيرة التي تكون في الحجر والغرف فإن تطهيرها يكون بصب الماء عليها فإذا صب الماء عليها وفرك باليد يؤتى باسفنجة لتمتص هذا الماء ثم يصب عليه ماء آخر ويفعل به كذلك ثم مرة ثالثة وبهذا يطهر المحل إذا كان مجرد بول أما إذا كان شيئا آخر له جرم فلابد من إزالة الجرم أولا ثم التطهير.
فضيلة الشيخ: بالنسبة لهذه الفقرة هل في هذا فرق بين ما إذا كان الطفل ذكرا أم أنثى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة لغير البول لا فرق بين الذكر والأنثى وبالنسبة للبول فإن البول إذا كان من طفل ذكر لا يأكل الطعام فإنه يكفي فيه النضح، والنضح معناه أن يصب الماء صبا بدون فرك وبدون غسل.
فضيلة الشيخ: والبنت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البنت كغيرها لابد أن يغسل.
فضيلة الشيخ: الفقرة الثانية تقول إذا وطئت بقدمي الفراش وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست من هذا البول وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موضعها واشتبه علينا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وطئتِ برجلك وهي رطبة على هذا الموضع الذي طهر فإنه لا يؤثر لأن المكان صار طاهرا وأما ترك هذا المكان حتى يجف ويشتبه فإن هذا لا ينبغي وإذا قدر أنه وقع واشتبه الأمر فإنه يجب التحري بقدر الإمكان ثم يغسل المكان الذي يظن أنه هو الذي أصابته النجاسة وقلت أنه لا ينبغي تأخير غسل النجس لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان منهجه المبادرة في إزالة النجاسة فإنه (أُتي له بصبي فوضعه في حجره فبال على حَجْرِه فدعا عليه الصلاة والسلام بماء فاتبعه إياه) ولم يؤخر غسله ولما (بال الأعرابي في طائفة المسجد أي في جانب منه أمر النبي عليه الصلاة والسلام بذنوب من ماء فأريق عليه فورا) فعلم من هذا أن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام هو المبادرة في إزالة النجاسة وذلك لسببين.
أولا: المسارعة إلى إزالة الخبث والأذى فإن الأذى والخبث لا يليق بالمؤمن فالمؤمن طاهر وينبغي أن يكون كل ما يلابسه طاهرا.
وثانيا: أنه إذا بادر بغسله فإنه أسلم له لأنه ربما ينسى إذا أخر غسله من فوره وحينئذ قد يصلى بالنجاسة وربما يتلوث أو ربما تعدى ماء النجاسة إلى مكان آخر. وأقول ربما يصلى بالنجاسة وليس معنى ذلك أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أن صلاته تبطل فإن القول الراجح أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فإن صلاته صحيحه مثل لو أصاب ثوبه نجاسة تهاون في غسلها أي لم يبادر بغسلها ثم صلى ناسيا غسلها فإن صلاته تصح لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وكذلك لو كان جاهلا بها ولم يعلم بها إلا بعد أن صلى فإن صلاته تصح للآية السابقة. لكن إذا صلى وهو محدث ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة مثل لو نقض وضوءه ثم حضرت الصلاة فصلى ناسيا نقض وضوءه ثم ذكر بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد الوضوء وكذلك لو دُعي إلى وليمة فأكل لحما لا يدري ما هو وصلى ثم تبين له بعد صلاته أنه لحم أبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وإن كان جاهلا حين أكله أنه لحم أبل والفرق بين هذا وبين الأول يعني الفرق بين من صلى محدثا ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة دون من صلى بنجاسة ناسيا أو جاهلا فإنه لا يجب عليه إعادة الصلاة الفرق بينهما أنه في مسألة الحدث ترك مأمور وترك المأمور ناسياً أو جهلا يسقط الإثم بتركه لكن لا يسقط إعادة الصلاة لأن المطلوب فعلها على الوجه الصحيح ولا يمكن ذلك إلا بإعادة الصلاة، وأما من صلى بثوب نجس ناسيا أو جاهلا فإن هذا من باب فعل المحظور وفعل المحظور ناسيا أو جاهلا يسقط به الإثم لجهله ونسيانه وإذا سقط الإثم صار لم يفعل محرماً وحينئذ تكون الصلاة كأنه لم يفعل فيها هذا المحرم.