[هذا المستمع عبد العزيز أأ يقول فضيلة الشيخ اطلعت على كتاب يرى فيه المؤلف عدم كفر تارك الصلاة ورد على من قال بكفر تارك الصلاة بأنه كفر دون كفر مستدلا بحديث الشفاعة وغيره فما رأي الشرع في نظركم في ذلك مأجورين؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عن مسألة عظيمة كبيرة اختلف فيها الناس ولاسيما بعد الصدر الأول هل كفر تارك الصلاة كفر أكبر مخرج عن الملة أو هو كفر دون كفر والمرجع عند النزاع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لقول الله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وقد أحالنا الله عز وجل عند التنازع إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ونحن إذا رددنا هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم رأينا أن الكتاب والسنة يدلان على أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة وذلك من قوله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فاشترط الله تعالى للأخوة في الدين ثلاثة شروط الأول التوبة من الشرك والثاني إقامة الصلاة والثالث إيتاء الزكاة ومن المعلوم أن المشروط يتخلف إذا تخلف شرطه فالأخوة في الدين تتخلف إذا تخلف هذا الشرط المركب من ثلاثة أمور التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ولا تتخلف الأخوة في الدين إلا بخروج الإنسان من الدين بالكلية وإلا فالأخوة في الدين باقية ولو مع المعاصي والفسوق ودليل بقاء الأخوة الإيمانية مع المعاصي والفسوق قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) فأوجب الله تعالى القصاص فيمن من قتل أخاه عمدا ومعلوم أن القتل العمد من أكبر الكبائر وأعظم العدوان على البشر وقد قال الله فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) ومع ذلك لم تخرجه هذه المعصية الكبيرة من الأخوة الدينية حيث قال جل وعلا (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) فجعل الله تعالى المقتول أخاً للقاتل وكذلك قال سبحانه وتعالى في الطائفتين من المؤمنين إذا اقتتلتا قال (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الله الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة الثالثة المصلحة مع أن قتال المؤمن كفر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وهذا هو الذي نقول أنه كفر دون كفر لأن الله أثبت الإيمان مع الاقتتال فدل هذا على أن إطلاق الكفر على من قاتل أخاه يراد به كفر دون كفر أقول الأخوة الإيمانية لا تنتفي إلا بالخروج من الدين بالكلية والآية التي سقناها في أول الجواب تدل على أن الأخوة الإيمانية لا تثبت إلا بالشروط الثلاثة أو بشرط مركب من ثلاثة أوصاف التوبة من الشرك إقامة الصلاة إيتاء الزكاة وأما من السنة فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وفي السنن من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركه فقد كفر) وهذا صريح في أن كفر تارك الصلاة كفر مخرج عن الملة لأنة جعله فاصلا بين المسلمين والكفار وبين الكفر والإيمان والفاصل والحد يخرج المفصول عن الآخر والمحدود عن الآخر وقد دل إجماع الصحابة على ذلك فقد نقل إجماعهم عبد الله بن شقيق أحد التابعين المعروفين فقال (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) ونقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك الإمام المشهور إسحاق بن راهويه والنظر والقياس يقتضي ذلك فإن رجلاً يحافظ على ترك الصلاة ويشاهد الناس يصلون وهو لا يصلى لا ليلا ولا نهارا لا في المسجد ولا منفردا كيف يقول الإنسان إن هذا مؤمن المؤمن لا يمكن أن يحافظ على ترك الصلاة أبدا بل المؤمن يحافظ على الصلاة قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) وإذا كان كذلك فهل هناك حديث يقول إن تارك الصلاة مؤمن أو يقول إن تارك الصلاة في الجنة أو يقول إن تارك الصلاة مع المؤمنين بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من لم يحافظ عليها فإنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف والأحاديث بل والأدلة التي استدل بها من قال إن تارك الصلاة لا يكفر وأن كفره كفر أصغر كفر دون كفر لا تخرج عن أحوال خمسة:
أولاً: إما أن لا يكون فيها دليل أصلا مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)
ثانياً: وإما أن تكون مقيدة بوصف لا يمكن معه ترك الصلاة كحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) وفي لفظ (يبتغي بذلك وجه الله) فهل من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله يمكن أن يدع الصلاة وهو يطلب وجه الله لا يمكن أبدا.
ثالثا أو مقيدة بحال يعذر فيها من لم يصلِّ مثل حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في قوم اندرس الإسلام في عهدهم ولم يعرفوا من الإسلام إلا قول لا إله إلا الله فقالوها فدخلوا الجنة بها لأن هؤلاء لا يعرفون شيئا فهم معذورون بعدم معرفة شرائع الإسلام وشعائره ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
الرابع أحاديث ضعيفة لا تقاوم الأدلة الصحيحة الدالة على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملة ومعلوم أنه عند التعارض يؤخذ بالمتأخر إن علم التاريخ وإلا فالترجيح والضعيف لا يمكن أن يقاوم القوي ولا أن يعارض به القوي.
الخامس أحاديث عامة تخصصها أحاديث ترك الصلاة وذلك مثل أحاديث الشفاعة التي فيها أن الله يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط فهل قال الرسول عليه الصلاة والسلام في أحاديث الشفاعة أنهم يخرجون من النار من لم يصلِّ لا بل قال من لم يعمل خيرا قط فيقال يستثنى من ذلك الصلاة لأن النصوص دلّت على أن تركها كفر والكافر لا يخرج من النار لقول الله تعالى (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) وثم نقول لهؤلاء الذين استدلوا بحديث الشفاعة أنتم لا تقولون بموجبه فإذا قدر أن الذي في النار لم يقل لا إله إلا الله فهل يخرج بالشفاعة لا يخرج بالشفاعة مع أنه لم يعمل خيرا قط فهذا النص ليس على عمومه بل فيه ما يخصصه وبهذا تكون أدلة القول بكفر تارك الصلاة أدلة قائمة سالمة من المعارض المقاوم فوجب الأخذ بها ونحن نبرأ إلى الله أن نكفر من لم يكفره الله ورسوله كما نبرأ إلى الله أن نتهيب من تكفير من كفره الله ورسوله الأمر لله والحكم لله فإذا حكم على أحد بالكفر وجب علينا قبوله والرضا به والحكم بكفره وإذا نفى الكفر عن أحد وجب علينا الرضا بذلك ونفي الكفر عنه وليس لنا أن نتعدى حدود الله وليس لنا أن نعترض على شرعه وإذا تبين أن كفر تارك الصلاة قد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والنظر الصحيح وأن ما عارضه لا يقاومه وجب الأخذ به.
بقي أن يقال ما تقولون في من ترك الزكاة بخلا وتهاوناً هل يكفر فالجواب قال بعض العلماء بكفره وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله واستدلوا بآية التوبة التي سقناها في أول كلامنا (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) ولكن الذي يظهر أنه لا يكفر مانع الزكاة بخلا وتهاوناً لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار فقوله صلى الله عليه وآله وسلم (إما إلى الجنة وإما إلى النار) يدل على أنه لا يكفر بذلك لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة وعلى هذا فيكون مفهوم الآية التي سقناها في أول كلامنا مبينا بحديث أبي هريرة الذي ذكرناه الآن فإن قال قائل ما تقولون فيمن حمل أحاديث كفر تارك الصلاة على من جحد وجوبها قلنا نقول إن هذا غير صحيح لأن من حملها على من جحد وجوبها فقد ارتكب أمرين محظورين.
الأمر الأول صرف اللفظ عن ظاهره.
الأمر الثاني إيجاد معنى لا يدل عليه اللفظ.
كما ارتكب أيضا أمراً ثالثا وهو أن جحد الوجوب موجب للكفر سواء صلى أم لم يصلّ والحديث من ترك الصلاة وأن من تركها فقد كفر وبين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة فكيف نعدل عن الوصف الذي رتب الشرع عليه الكفر إلى وصف لم يذكر الشرع هذا من المخالفة الظاهرة ويذكر عن الإمام أحمد في آية قتل المؤمن عمدا أن جزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما فقيل له إن قوماً يقولون هذا فيمن استحل القتل فضحك رحمه الله وقال من استحل قتل مؤمن فهو كافر سواء قتله أم لم يقتله وهكذا نقول فيمن حمل أحاديث كفر تارك الصلاة على من جحدها نقول من جحدها فهو كافر سواء صلى أم لم يصل نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن رأى الحق حقا واتبعه ورأى الباطل باطلا واجتنبه وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم وإنني عقب هذا أنصح من لعب به الشيطان فترك الصلاة أن يتقي الله عز وجل وأن يعود إلى رشده وأن يدخل في دينه الذي خرج منه وأن يعلم أن ترك الصلاة أكبر من الزنى والخمر والسرقة وقطع الطريق وغيرها من الكبائر التي دون الكفر فليتقِ الله في نفسه وليتق الله في أهله لأن الأمر خطير ولا يدري لعله يموت على هذه الحال فيكون من أهل النار نسأل الله العافية والسلامة.
***