ما دعاء القنوت وهل الزيادة فيه جائزة وخصوصاً في رمضان حيث يكثر من بعض الأئمة الإتيان بأدعية مسجوعة وكلمات مترادفة وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القنوت نوعان قنوت في الفرائض وقنوت في وتر النافلة أما الفرائض فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقنت في الفرائض في كل الصلوات الخمس لكن عند النوازل الشديدة في المسلمين مثل حروب قاسية يكون فيها هزيمة المسلمين أو قتل قراء أو علماء أو ما أشبه ذلك وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكون الدعاء فيه بالحمد والثناء على الله عز وجل والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم بالدعاء المناسب لرفع النازلة حسب هذه النازلة ولا يقنت في الفرائض إلا في هذه الحالة أي إذا نزلت بالمسلمين نازلة وإلا فلا يقنت في الفجر ولا في الظهر ولا في العصر ولا في المغرب ولا في العشاء وقد ذهب بعض الأئمة رحمهم الله إلى القنوت في صلاة الفجر ولكن الصواب عدم ذلك إلا أنه لما كانت هذه المسألة من المسائل الاجتهادية فإننا نقول من صلى خلف إمام يقنت فليتابعه في القنوت وليؤمن على دعائه قال الإمام أحمد رحمه الله (إذا ائتم بمن يقنت في الفجر فإنه يتابعه ويؤمّن على دعائه) وهذا من فقه الإمام أحمد رحمه الله أن المسائل الاجتهادية لا ينبغي أن تكون سبباً لتفرق المسلمين واختلاف قلوبهم فإن هذا مما وسعته رحمة الله عز وجل قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد) أما القنوت في الوتر فإنه قد جاء في السنن أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما دعاء يدعو به في قنوت الوتر (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت) ولا بأس أن يزيد الإنسان دعاء مناسباً تحضر به القلوب وتدمع به العيون لكن لا على ما وصفه السائل من الأدعية المسجوعة المتكفلة المملة حتى حكى بعض الناس أن بعض الأئمة يبقى نصف ساعة أو أكثر وهو يدعو وهذا لا شك أنه خلاف السنة وإذا قدر أنه يناسب الإمام واثنين أو ثلاثة من الجماعة فإنه لا يناسب الآخرين ومما يأتي في هذا الدعاء ما يقوله بعض الناس يا من لا يصفه الواصفون ولا تراه العيون وهذا غلط عظيم وهذا لو أخذ بظاهره لكان تقريراً لمذهب أهل التعطيل الذين ينكرون صفات الله عز وجل ولا يصفون الله بشيء وهي عبارة باطلة وذلك لأن الله تعالى موصوف بصفات الكمال فنحن نصفه بأنه السميع العليم البصير الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن نصفه بأنه ذو الجلال والإكرام نصفه بأن له وجهاً وله يدين وله عينين نصفه بكل ما وصف به نفسه فكيف يصح أن نقول لا يصفه الواصفون هذه عبارة باطلة ولو علم الأئمة الذين يدعون بها بمضمونها ما قالوها أبداً صحيح أننا لا ندرك صفات الله أي لا ندرك كيفيتها وهيئتها لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط الناس علماً بكيفية صفاته ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله وكان جالساً يعلم أصحابه فقال له رجل (يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(طه:٥) كيف استوى فأطرق مالك رحمه الله برأسه وجعل يتصبب عرقاً لأن هذا سؤال عظيم ورد على قلب مؤمن معظم لله عز وجل فتأثر هذا التأثر ثم رفع رأسه وقال يا هذا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه) رحمه الله قوله الاستواء غير مجهول يعني أنه معلوم فهو العلو على الشيء علواً خاصاً به الكيف غير معقول لأن الكيف لا يمكن يدركه العقل فالله أعظم من أن تحيط به العقول الإيمان به واجب يعني الإيمان بالاستواء بمعناه وجهل حقيقته التي هو عليها واجب لأن الله أخبر به عن نفسه وكل ما أخبر الله به عن نفسه فهو حق والسؤال عنه أي عن كيفية الاستواء بدعة، بدعة أولاً لأنه لم يسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هم أحرص منا على معرفة الله جل وعلا وأشد منا في تعلم العلم وأمامهم من هو أعلم منا بالله فالسؤال عنه بدعة
ثانيا السؤال عنه بدعة لأنه لا يسأل عن ذلك إلا أهل البدع ولهذا قال له مالك وما أراك إلا مبتدعاً ثم أمر به فأخرج من المسجد نفاه من المسجد النبوي لأن هذا ساعي في الأرض بالفساد ومن جملة جزاء المفسدين في الأرض أن ينفوا من الأرض ولهذا نقول لإخواننا المثبتة للصفات إياكم أن تسألوا عن الكيفية إياكم أن تتعمقوا في السؤال عما لم تدركوه علماً من كتاب الله أو سنة رسوله فإن هذا من التعمق والتنطع وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (هلك المتنطعون) .
والخلاصة أن قول الداعين في دعائهم لا يصفه الواصفون قول منكر لا يجوز أن يوصف الله به بل يصفه الواصفون كما وصف نفسه عز وجل أما وصف كيفية الصفات فنعم لا أحد يدركه.