للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما حكم الذهاب من مدينةٍ إلى أخرى لتقديم التعزية أو للصلاة على الميت؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل أن هذا لا باس به لكني أخشى أن ينفتح على الناس بابٌ بالمباهاة فيه فيتعب الناس ويتعبون لأنه إذا صار هذا عادة صار المتخلف عنه عرضةً للكلام وانتهاك عرضه فصار ما ليس بسنةٍ سنةً فالذي أرى أنه لا ينبغي أن يذهب للصلاة على الميت إذا كان مسافة قصر أو للتعزية اللهم إلا أن يكون قريباً جداً كالأب والأم والأخ والأخت والعم وابن الأخ والخال وابن الأخت فهذا قد يقال إنه لا بأس به لقوة القرابة ولأن هذا لا يتأتى لكل أحد فلا يخشى أن ينفتح الباب على الناس والتعزية المراد بها التقوية على تحمل المصيبة ليست تهنئة تطلب من كل واحد فهي تقوية للمصاب أن يصبر ويحتسب فإذا لم يكن مصاباً بميت فلا يعزى أصلاً لأن بعض الناس قد لا يصاب بموت ابن عمه مثلاً لكونه في خصامٍ معه قبل موته وتعب فلا يهمه أن يموت أو يحيى فمثل هذا لا يعزى. يعزى على ماذا؟! بل لو قيل إنه يهنأ بموته إذا كان متعباً له لكن إذا رأينا شخصاً مصاباً حقيقة متأثراً فإننا نعزيه تعزيةً تشبه الموعظة كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إحدى بناته حينما أرسلت إليه أن ابنها أو ابنتها في سياق الموت فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للذي جاء يدعوه (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى) مثل هذا إذا ورد على النفس اقتنع الإنسان وهانت عليه المصيبة أما أن نذهب لنعزي فنزيد الحزن حزناً ونجلس نتذكر محاسن الميت وأفعاله في حياته ومعاملته الحسنة فهذا من الندب المنهي عنه لذلك اتخذ الناس اليوم التعزية على وجهٍ ليس بمشروع ففي بعض البلاد تقام السرادقات والإضاءات والكراسي وهذا داخل وهذا خارج حتى إنك لتقول إن هذه حفلة عرس ثم يأتون بقاريء يقرأ القرآن، يقرأ القرآن بأجرة مالية فيباع كتاب الله تعالى بالدراهم والدنانير وهذا الذي يقرأ القرآن لا يقرأ إلا بأجرة ليس له ثواب وليس له أجر ولا ينتفع بذلك الميت فيكون بذل المال له إضاعةً للمال ولا سيما إذا كان من التركة وفي الورثة أناسٌ قاصرون فيكون انتهب من مال هؤلاء القصار مالاً بغير حق بل بباطل إني أوجه النصيحة لإخواني إذا أصيبوا بموت أحد أقاربهم أو أصدقائهم أن يتحملوا ويصبروا ويقولوا ما يقول الصابرون إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها مات أبو سلمة رضي الله عنه عن زوجته أم سلمة وكانت تحبه حباً شديداً ويحبها وقد سمعت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن من أصيب بمصيبةٍ فقال اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها أن الله تعالى يأجره في مصيبته ويخلف له خيراً منها) فلما مات أبو سلمة قالت اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها وكانت تقول في نفسها من خيرٌ من أبي سلمة يعني تفكر من هذا الذي يأتي فيكون خيراً لأنها مؤمنة بأن قول الرسول حق وأنه لا بد أن يخلف الله عليها خيراً منها من أبي سلمة لكن تقول من هذا فلما انتهت عدتها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فكان الرسول صلى الله عليه وسلم خيراً لها من أبي سلمة بلا شك وقبل الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم حين دخل على أبي سلمة رضي الله عنه وقد شخص بصره ومات فرأى بصره شاخصاً فأغمضه عليه الصلاة والسلام وقال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وافسح له في قبره ونور له فيه واخلفه في عقبه خمس دعوات لو وزنت بهن الدنيا لرجحت بالدنيا كلها شيء منها علمناه لأنه شوهد في الدنيا وهو قوله واخلفه في عقبه فإن الذي خلفه في عقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة وكان ابن أبي سلمة عمر وأخته ربائب الرسول صلى الله عليه وسلم أما الدعوات الأخرى الغيبية فإننا نرجو الله تعالى أن الله قبلها كما قبل ما شاهدناه والحاصل أنني أنصح إخواني نصيحةً لله عز وجل أن يَدعوا هذه العادات التي ليست من هدي السلف الصالح، والسلف الصالح والله خيرٌ منا في طلب التقرب إلى الله عز وجل ونفع الميت، ما فعلوا هذا أبداً وقد صرح علماؤنا الحنابلة وكذلك الشافعية ولعل غيرهم كذلك أن الاجتماع للتعزية من البدع وبعضهم لم يصرح بأنه بدعة لكن قال بأنه مكروه وإن شيءتم فراجعوا كتب العلماء في ذلك حتى يتبين لكم أسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم وأن يوفقنا لسلوك منهج السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>