[السائلة ن ع ع جدة تقول: أرجو أن تبينوا لنا عذاب القبر وأسباب النجاة منه، وهل عندما يدفنون الميت ثم يقولون له بعد الفراغ من دفنه: إذا سألك الملكان: من ربك؟ فقل: ربي الله. وما نبيك؟ وما دينك؟ هل صحيح أن الميت يسمعهم؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دفن الميت وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم فقد تم توديعه، وحينئذ يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فإن أجاب بالصواب فسح له في قبره، وفتح له باب إلى الجنة، ونادى منادٍ من السماء: أن صدق عبدي. وإن توقف وقال: لا أدري، فإنه يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي. ويفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها. والأسباب المنجية من عذاب القبر كثيرة، تنحصر في أن الأسباب الواقية من عذاب القبر هي القيام بطاعة الله، فيفعل ما أمر الله به ويترك ما نهى الله عنه. ومنها- أي: من الأسباب الواقية من عذاب القبر- التعوذ بالله من عذاب القبر، ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نتعوذ من عذاب القبر أمراً عامّاً فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، وأمرنا أن نتعوذ بالله من عذاب القبر أمراً خاصّاً بعد التشهد الأخير، حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إذا تشهد أحدكم التشهد الآخر- أو قال: الأخير فليستعذ بالله من أربع، فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . ومن أسباب عذاب القبر عدم التنزه من البول، والمشي بين الناس بالنميمة، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول- أو قال لا يستنزه من البول-، وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة) . ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، وغرز في كل قبر واحدة، قالوا: لِمَ صنعت هذا يا رسول الله؟ قال:(لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . فبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب عذابهما بأن أحدهما لا يستبريء من البول، وأن الثاني كان يمشي بالنميمة. والنميمة هي نقل كلام الناس فيما بينهم على سبيل الإفساد، فيأتي للشخص ويقول: قال فلان فيك كذا، قال فلان فيك كذا؛ ليلقي العداوة بينهما. وبهذه المناسبة أود أن أنبه على شيء يفعله بعض الناس: إذا فرغ من دفن الميت وضع عليه غصناً أخضر من جريد النخل أو غيره، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث وضع الجريدة التي شقها نصفين على كل قبر واحدة، فإن هذا الذي يفعله بعض الناس بدعة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يفعله على قبر كل ميت، وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله لسبب، وهو أن أصحاب القبرين يعذبان، فما يدري هذا الرجل أن صاحبه يعذب حتى يضع عليه هذا الغصن الأخضر؟ وأيضاً فإن وضع هذا الغصن الأخضر شهادة بالفعل على أن صاحب القبر يعذب، فيكون في ذلك إساءة ظن بصاحب القبر. لكن بعض الناس لا يتأملون ماذا يتفرع على أفعالهم من المفاسد، فتجدهم يأخذون بظاهر الحال ولا يتأملون حق التأمل، نسأل الله لنا ولهم الهداية.