للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسمع دائماً من الناس أن الجن يتصورون في صورة طيور وقطط وأغنام، وأنا أنكر ذلك ولم أصدق به؛ لأن الجن مخلوق مثلنا، ولن يستطيع تغيير الخلق إلا الله سبحانه وتعالى. فهل هذا صحيح أم لا؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكرته أمرٌ مشهور بين الناس أن الجن قد يتشكلون بشكل شيء مشاهد ومرئي، وربما يشهد له الحديث الثابت في الصحيح أن رجلاً شاباً من الأنصار كان حديث عهدٍ بعرس، فجاء ذات يومٍ أو ليلة فوجد أهله على الباب، فسألهم: ما هو السبب؟ فذكرت له ما في الفراش، فذهب إلى فراشه فوجد فيه حيةً، فأخذ رمحاً فطعنها فماتت هذه الحية، ثم مات الرجل فوراً، فلا يدرى أيهما أسرع موتاً: الرجل أم الحية؟ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين. وهذا يدل على أن هذا كان جناً، وأنه وقد تصور بصورة الحية، والحكايات في ذلك كثيرةٌ ومشهورة، ولكن هذا الحديث الصحيح قد يشهد لصحتها. وكما أنه يتصور الملائكة عليهم الصلاة والسلام بأشكالٍ ليست على هيئتهم التي خلقوا عليها، فإن جبريل صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً بصورة دحية الكلبي، وجاء إليه مرة بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحدٌ من الصحابة، وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه جلسة المتأدب، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم الأسئلة المشهورة في الإسلام والإيمان والإحسان، والساعة وأشراطها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) . ومن المعلوم أن قدرتهم على التشكل بهذا الشكل إنما هي من الله سبحانه وتعالى، فهو الذي أقدرهم على ذلك، فلا يبعد أن يكون الجن هكذا يستطيعون أن يتصوروا أو يتشكلوا للناس بأشكالٍ متعددة، هذا الذي ظهر لي في هذه المسألة.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>