[المستمع ص. من محافظة قنا مركز نقاوة جمهورية مصر العربية يقول ما هي الضرورات الخمس التي أمرنا الشارع الحكيم بالحفاظ عليها؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن هذه الشريعة الإسلامية جاءت لجلب المصالح أو تكميلها ودفع المضار أو تقليلها وهذا عامٌ يشمل كل ما يحتاج الإنسان إليه في أمور دينه ودنياه ولا ينحصر الأمر في الضرورات الخمس التي أشار إليها السائل بل هو عام لكل مصلحة سواءٌ كانت تتعلق بالنفس أو بالمال أو بالبدن أو بالعقل أو بالدين بل كل شيء تحصل به المصلحة أو يحصل به تكميل المصلحة فهو أمرٌ مطلوب لا بد منه فهو أمرٌ مطلوب إن كان أمراً لا بد منه فإنه يكون على سبيل الوجوب وإن كان أمراً دون ذلك فإنه يكون على سبيل الاستحباب وكل شيء يتضمن ضرراً في أي شيء كان فإنه منهيٌ عنه إما على سبيل وجوب الترك وإما على سبيل الأفضل والأكمل وهذه القاعدة العظيمة لا يمكن أن تنحصر جزيئاتها وهي مفيدةٌ لطالب العلم لأنها ميزانٌ صادق مستقيم ويدل عليه آياتٍ من كتاب الله عز وجل وأحاديث من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قول الله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) فهنا أشار الله عز وجل إلى أن في الخمر والميسر إثمٌ كبير ومنافع متعددة للناس ولكن الإثم أكبر من النفع ولهذا جاءت الشريعة الكاملة بالمنع منهما منعاً باتاً في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) ومن هنا نعلم أن من جملة الحكم التي حرم الله من أجلها الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس وهذه مفسدة اجتماعية مع ما فيها من المفاسد الأخرى كالإخلال بالعقل والإخلال بالدين فإن الأزلام تؤدي إلى المغامرة في الإقدام والإحجام والأنصاب شرك وأنصاب تعبد من دون الله عز وجل ومن ذلك أيضاً قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وهذا أمرٌ لحفظ النفس ووقايتها من كل ضرر ومن ذلك أيضاً قوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر فجاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فأمر بالتيمم في هذه الحال خوفاً من الضرر أو استمرار الضرر بالمرض الذي يخشى من استعمال الماء فيه ومن ذلك قوله تعالى في آية الصيام (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) والسنة في ذلك أيضاً كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص (إن لنفسك عليك حقا وإن لربك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا) ومن ذلك أيضاً تأنيبه الذين قال بعضهم أصوم ولا أفطر وقال الثاني أقوم ولا أنام وقال الثالث لا أتزوج النساء فقال صلى الله عليه وسلم (أنا أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) والخلاصة أن هذه الشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح أو تكميلها وبدرء المفاسد أو تقليلها.