للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السائل ش م م من العراق يقول أنا أعلم أن للأب والأم دوراً كبيراً في بناء الأسرة السعيدة وعليهما يقع تهذيب وتأديب الأبناء وتعليمهم الأخلاق الفاضلة والحميدة ولكني لا أجد ذلك في مجتمعي فأولياء الأمور لا يفقهوا أولادهم في أمور الدين وما يجب فعله للدنيا والآخرة وإنما يتركوهم على أهوائهم وتلك خطيئة عظمى عظوني زادكم الله موعظة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إننا لا نجد موعظة أعظم من موعظة القرآن كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) فموعظة القرآن أعظم موعظة يتعظ بها المؤمن والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن في هذه المسألة التي سألت عنها وهي مسؤولية الوالدين عن أولادهما يقول سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) فوجه الله الخطاب إلى المؤمنين باسم الإيمان مما يدل على أن مقتضى إيمانهم أن يقوموا بهذه المسؤولية العظيمة وأن عدم قيامهم بها نقص في إيمانهم فتوجيه الخطاب بوصف الإيمان يقتضي مع ذلك الحث والإغراء على القيام بما وجه إليه المرء ولهذا يذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال (إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك فإنها إما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه) ثم يبين الله تعالى أن هذا الخطاب الموجه إلى المؤمنين يتضمن مسؤولية كبيرة وهي أن يقوا أنفسهم وأهليهم ناراً ومعنى ذلك أن مسؤولية الأهل كمسؤولية النفس في هذا الأمر وهذه النار بين الله عظمها في قوله (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) فأنت كما أن عليك مسؤولية لنفسك فعليك مسؤولية لأولادك عليك أن تقوم بها وسوف تسأل عنها يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته) ثم إن ضرر إهمال الأولاد لا يقتصر على هذا البيت الذي أهمله أهله بل هو يسري سريان السم في الأجساد إلى جميع المجتمع لأن أولادك سوف يتصلون بأولاد غيرك فإذا كانوا على درجة من سوء الأخلاق فإنهم يعدون بذلك غيرهم ويحدث فساد المجتمع رويداً رويداً حتى يسلم الآباء إلى التاريخ في المستقبل أجيالاً فاسدة.

فموعظتي لك أيها السائل ولغيرك ممن يستمعون إلى هذا أن يتقي المرء ربه في نفسه وفي أهله حتى يخلّف من بعده ذرية صالحة تنفعه بعد موته كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) .

***

<<  <  ج: ص:  >  >>