هذه رسالة وصلت من إحدى الأخوات المستمعات تعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة والرسالة طويلة وسأقوم إن شاء الله تعالى باختصارها تقول أريد أن أستشيركم في أمر يخصني وأفراد أسرتي من البنات ألا وهو أني وأخواتي البنات كتب علينا أن نظل بلا زواج لأننا قد تخطينا سن الزواج إلى ما بعده بكثير جداً جداً إن لم يكن اقتربنا من سن اليأس بالفعل هذا مع العلم ولله الحمد والله على ما أقول شهيد أننا على درجة من الأخلاق وقد حصلنا على شهادات جامعية جميعنا ولكن هذا هو نصيبنا والحمد لله نسأل الله سبحانه وتعالى الصبر والإيمان والتقوى ولكن الناحية المادية هي التي لا تشجع أحداً بأن يتزوجنا لأن ظروف الزواج وخاصة في بلدنا تقوم على المشاركة بين الزوجين باعتبار ما سيكون في المستقبل والآن وبعد أن تعديت سن الزواج وفقني الله عز وجل للعمل في الإمارات العربية المتحدة إلا أنني سمعت في برنامجكم المفضل نور على الدرب عن حرمانية هذا السفر اتباعاً لسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقررت بمشيئة الله أن أقدم استقالتي للرجوع إلى بلدي مرة أخرى لأنه ليس هناك لدي من تسمح ظروفه بالسفر معي والآن أسألكم يا فضيلة الشيخ كيف نقي أنفسنا شر الألم الذي قدر لنا وكيف نحمي أنفسنا من كثرة الأسئلة التي توجه إلينا من الناس جميعاً عن السبب في عدم زواجنا فلقد أصبح اختلاطنا بالناس أمر محال بسبب هذا الأمر وأنا أعلم أن الصبر والصلاة والاستعانة بالله جل شأنه هو السبيل ولكن لاشك في أن في هذا الأمر مشقة على النفس أرجو نصيحتي وتوجيهي نيابة عن أخواتي وأسأل الله لي ولهنّ الخير بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النصيحة التي أوجهها إلى مثل هؤلاء النساء اللاتي تأخرن عن الزواج هي كما أشارت إليه السائلة أن يلجأن إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع إليه بأن يهيئ لهنّ من يرضى دينه وخلقه وإذا صدق الإنسان العزيمة في التوجه إلى الله واللجوء إليه وأتى بآداب الدعاء وتخلى عن موانع الإجابة فإن الله تعالى يقول (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) وقال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فرتب سبحانه وتعالى الإجابة على الدعاء بعد أن يستجيب المرء لله ويؤمن به فلا أرى شيئاً أقوى من اللجوء إلى الله عز وجل ودعائه والتضرع إليه وانتظار الفرج وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا) وأسأل الله تعالى لهن ولأمثالهن أن ييسر لهن الأمر وأن يهيئ لهن الرجال الصالحين الذين يعينوهنّ على صلاح الدين والدنيا.
يافضيلة الشيخ المستمعة تقول هل عدم زواجنا هذا بما يسببه لنا من ألم فيه تكفير لذنوبنا وهل هذا الحرمان ينطبق على حالنا أم هو نصيب ومكتوب فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن هذا الذي حصل نصيب ومكتوب فإن الله سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة وكتب على العبد أجله وعمله ورزقه وشقي أم سعيد وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) ومع كونه مكتوباً مقدراً من الله عز وجل فإن الله تعالى يثيب المرء عليه إذا صبر واحتسب فإذا صبر الإنسان واحتسب على المصيبة كان في ذلك تكفير لسيئاته ورفعة لدرجاته وتكثير لثوابه قال الله تعالى (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) وقال تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
يافضيلة الشيخ: تقول هل والدنا الفاضل يمكن أن يسأل عن ذلك الأمر يوم الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: والدكم لا يسأل عن ذلك يوم الدين إلا إذا كان سبب التأخير منه مثل أن يأتي الخطاب الذين يرضى دينهم وخلقهم ثم يردهم نظراً لما يحصل منكم من مادة له بهذه الوظائف فإذا كان الأمر كذلك أي أنه يرد الخطاب من أجل مصلحة مادية تعود عليه فلا شك أنه آثم بذلك وأنه لم يقم بواجب الأمانة فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفره من هذا العمل وأن يبادر بتزوجيكنّ من حين أن يأتي الخاطب الذي يرضى دينه وخلقه.