[بارك الله فيكم المستمعة تقول حدثونا عن العباد والزهاد الذين أعرضوا عن الحياة الدينا وزينتها وأقبلوا على الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والحياة الحقيقية الدائمة التي فيها السعادة والطمأنينة في الدارين؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن العباد والزهاد ليس كما يتصوره كثير من الناس بأنهم الذين أعرضوا عن الدنيا كلها وانزووا في زاوية بعيدين عن الناس لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر لكن العباد هم الذين قاموا بعبادة الله على حسب ما تقتضيه الشريعة والزهاد هم الذين تركوا ما لا ينفعهم في الآخرة فما ينفعهم في الآخرة يفعلونه ولو كان في أمور الدنيا ولهذا لما اجتمع نفر من الصحابة فقال بعضهم أنا لا أتزوج النساء وقال الآخر أنا لا أكل اللحم وقال آخر أنا أقوم ولا أنام وقال رابع أنا أصوم ولا أفطر وبخهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال عليه الصلاة والسلام (أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) فالزهد حقيقته أن يدع الإنسان ما لا ينفعه في الآخرة لا أن يدع أمور الدنيا كلها والعبادة أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما يوافق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هؤلاء هم العباد وأما أولئك الذين ينزوون في أماكن ولا يعرفون الناس ولا يعرفهم الناس ولا ينالون شيئاً مما أباح الله لهم من الطيبات فإن هؤلاء إلى الذم أقرب منهم إلى المدح لأن الله تعالى يقول (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فالحاصل أن العباد والزهاد هم أولاً العباد الذين يقومون بعبادة الله على ما تقتضيه الشريعة الظاهرة والزهاد هم الذين يزهدون فيما لا ينفعهم في الآخرة لا في أمور الدنيا كلها وقد يكون من أمور الدنيا ما ينفع الإنسان في الآخرة كالمال مثلاً المال قد يكون ينفع الإنسان في الآخرة ونعم المال الصالح عند الرجل الصالح وما أكثر الذين نفعوا المسلمين بأموالهم واسوا الفقراء وأصلحوا الطرق وأعانوا في الجهاد وطبعوا الكتب النافعة وحصل في أموالهم خير كثير وهم يشتغلون بالمال.