[السائل يقول: سمعت وقرأت قصيدة البردة، والذي أعرفه أن مؤلف هذه القصيدة عالم، فهل تضر في عقيدته؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: إني سأتلو من هذه البردة ما يتبين به حال ناظمها: كان يقول مادحاً للنبي صلى الله عليه وسلم:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالي من ألوذ به سواك إذا حلت الحوادث؟ لا يمكن لمؤمن أن يقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يرضى بهذا أبداً، إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنكر على الرجل الذي قال له: ما شاء الله وشيءت، فقال:(أجعلتني لله ندّاً بل ما شاء الله وحده) فكيف يمكن أن يقال: إنه يرضى أن يوجه إليه الخطاب بأنه ما لأحد سواه عند حلول الحوادث العامة، فضلاً عن الخاصة؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفوا وإلا فقل يا زلة القدم؟ ويجعل العفو والانتقام بيد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول هذا؟ إن هذا لا يملكه إلا الله رب العالمين. هل يمكن لمؤمن أن يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها, الدنيا ما نعيش فيه وضرتها الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليست كل جوده بل هي من جوده فما الذي بقي لله؟ إن مضمون هذا القول: لم يبقَ لله شيء لا دنيا ولا أخرى، فهل يرضى مؤمن بذلك أن يقول: إن الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن الله جل وعلا ليس له فيها شيء؟ وهل يمكن لعاقل أن يتصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي جاء بتحقيق التوحيد يرضى أن يوصف بأن من جوده الدنيا وضرتها؟ هل يمكن لمؤمن أن يرضى فيقول يخاطب النبي صلى الله وسلم: ومن علومك علم اللوح والقلم؟ من علومه وليست كل علومه علم اللوح والقلم، هل يمكن لمؤمن أن يقول ذلك والله تعالى يقول لنبيه:(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) ؟ فأمر الله عز وجل أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة أنه ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ولا يدعي أنه ملك وأنه صلى الله عليه وسلم عابد لله تابع لما أوحى الله إليه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) . فهل يمكن لمن قرأ هذه الآية وأمثالها أن يقول: إن الرسول يعلم الغيب، وإن من علومه علم اللوح والقلم؟ كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة، وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر- أعني: عن البوصيري- لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا، لكنا نقول: هذه المقالات كفر، ومن اعتقدها فهو كافر، نقول ذلك على سبيل العموم. ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة؛ لما فيها من الأمور الشركية العظيمة، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة، فالحق مقبول ممن جاء به أياً كان، والباطل مردود ممن جاء به أيّاً كان.