هذه الرسالة وردتنا من القصيم ومن الشماسية من المرسل علي اليحيى يقول طال الحديث بيني وبين أحد الأخوة من إحدى الدول العربية إلى أن وصلنا إلى صلاحية القلب حيث قال هذا الأخ إنه ليس القلب هو الذي يُصلح الجسد وجميع الجوارح بدليل أنه لو أجريت عملية نزع قلب إنسانٍ مؤمن واستبداله بقلب كافر لا يؤمن بالله لم يؤثر عليه هذا القلب الذي هو من الكافر وإنما استمر على إيمانه بالله هل هذا صحيح حيث أورد علي شبهة كنت منها حائراً وهي أنه إذا كان هذا الحكم صحيحاً أو الكلام صحيح ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلُحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله) وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يُعلم أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم حق وأنه لا يصدر عنه إلا الحق فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ثم قال ألا وهي القلب) فصدّر الجملة المبينة المفسرة لهذه المضغة بألا الدالة على التنبيه والتأكيد إشارةً إلى تأكد هذا الأمر وأن هذا القلب إذا صلح صلح الجسد كله ولكن القلب له مكان وله أعضاءٌ خاصة فما دام في هذا الجسم الذي خلق فيه فإنه إذا صلح لا بد أن يصلح وأما إذا نقل إلى مكانٍ آخر فإنه نُقل عن مملكته فلا يلزم من صلاحه أن يصلح الجسد الآخر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما تحدث عن أمرٍ كان هو المفهوم في ذلك الوقت وهو أن القلب لا يتجاوز محله وبدنه الذي تكون الأعضاء فيه بمنزلة جنود السلطان المطيعين له هذا وجه ووجهٌ آخر أن يقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام بين محل القلب وأن المراد بالقلب القلب المعنوي الذي هو العقل الذي محله القلب وأن هذا العقل يكون في نفس الشخص الذي قُدّرت هدايته بمعنى إن القوة المعنوية العاقلة في هذا القلب المركب في هذا الجسم هي المدبرة لهذا الجسم وأنه إذا انتقل محلها تبقى هي فتبقى الهداية في قلب المؤمن المهتدي وإن زال قلبه هذا على فرض أن هذه المسألة قد تكون بمعنى أنه يُنقل قلب مسلم ويركب له قلب كافر أو بالعكس فالجواب من أحد هذين الوجهين إما أن يقال إن المراد بالقلب هي هذه المضغة الجسمية ولكنها لها الإمرة على البدن الذي ركبت فيه والذي خلقها الله فيه إذا صلحت صلح الجسد بخلاف ما إذا نُقلت إلى مملكةٍ أخرى فإنه لا يلزم أن تأتمر هذه المملكة الجديدة بأمرها أو يقال إن المراد بالقلب القوة العقلية الشائعة في نفس البدن والتي محلها ومنبعها من القلب وأحد هذين الوجهين يتبين به ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم على أحد هذين الوجهين أن نقول أنه إذا رُكِّب قلب مؤمنٍ في كافر أن يكون هذا الكافر مؤمناً وأنه إذا رُكَّب قلب كافرٍ في مؤمن أن يكون هذا المؤمن كافراً.